آل البيت عليهم السلام و حقوقهم الشرعيه

اشارة

سرشناسه : سبحاني تبريزي، جعفر، 1308-

عنوان و نام پديدآور : آل البيت عليهم السلام و حقوقهم الشرعيه/تاليف جعفر السبحاني.

مشخصات نشر : تهران: مشعر، 1386.

مشخصات ظاهري : 110ص.

شابك : 7000 ريال :978-964-540-031-4

وضعيت فهرست نويسي : فيپا

موضوع : خاندان نبوت.

موضوع : خاندان نبوت -- احاديث.

رده بندي كنگره : BP25/س2آ7

رده بندي ديويي : 297/931

شماره كتابشناسي ملي : 1049028

ص:1

اشارة

ص:2

ص:3

ص:4

ص: 5

المقدمه

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

إنّ لأهل بيت النبي صلى الله عليه و آله مكانة سامية في الكتاب والسنّة، إذ نزلت فيهم آيات كريمة أشادت بفضلهم ومنزلتهم ووجوب مودّتهم. وأولاهم النبي الأكرم صلى الله عليه و آله عناية كبرى، تتجلّى فيما حفلت به مجاميع الحديث من روايات جمّة تبيّن فضائلهم ومناقبهم وسماتهم وخصائصهم وحقوقهم، تحثّ على موالاتهم، والانتهال من علمهم، والاقتداء بسيرتهم الزاكية.

ومن هنا انبرى لفيف من أعلام الشيعة والسنّة لتأليف كتب ورسائل حول آل البيت وحقوقهم ومكانتهم.

وقد قام أخير فضيلة الشيخ صالح بن عبداللَّه الدرويش القاضي بالمحكمة العامّة بالقطيف بنشر كتاب

ص: 6

حول هذا الموضوع، سمّاه «أهل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعيّة».

ونحن بدورنا إذ نرحّب بمثل هذا العلم الذي يعتبر خطوة على طريق التقريب، إلّاأنّنا وجدنا أنّ المؤلّف قد خرج في مواضع عديدة عن هذا الهدف السامي، وهذا ما دعا سماحة آية اللَّه الشيخ جعفر السبحاني- حفظه اللَّه- إلى مناقشته في تلك المواضع نقاشاً علمياً قائماً على براهين ساطعة، مُستقاة من الآيات والروايات الواردة في هذا الشأن.

وهذا ما فرض علينا نشر هذه الرسالة، مع تقديم جزيل الشكر للمؤلفين المتطلعين لبيان حقوق أهل البيت عليهم الصلاة والسلام.

معاونية شؤون

التعليم والبحوث الإسلامية

ص: 7

الحمد للَّه رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الخاتم، وعلى أهل بيته الذين أذهب اللَّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

أمّا بعد: فقد وقع في يدي كتاب «آل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعية» تأليف الشيخ صالح بن عبداللَّه الدرويش القاضي بالمحكمة العامة بالقطيف، نشرته دار ابن الجوزي، فطالعته ووقفت على ما فيه، فوجدته قد جارى فيه ما كتبه ابن تيمية من قبل في كتابه الّذي أسماه «حقوق أهل البيت» مع فارق بين الكتابين يتمثّل في تفسير «أهل البيت».

وقد تعرّفت على المؤلِّف من قبلُ من خلال رسائله

ص: 8

اليَّ، والمكاتبات الّتي دارت بيننا وبينه.(1) وبالرغم من أنّ المؤلّف قد راعى أدب الكتابة ونزاهة القلم عمّا يشينه، إلّاأنّه لم يعط الموضوع حقّه في ما كتب، ولعلّ عذره في ذلك، ممارسته لمهمة القضاء الّتي تأخذ منه الوقتاً كثيراً، وتعيقه عن الرجوع إلى المصادر والكتب الّتي تعالج الموضوع الّذي يمارس الكتابة فيه، ولذلك أخذت على عاتقي أن أكتب بعض التعاليق على الفصول التي رَتّب كتابه المذكور عليها، سالكاً طريق الإيجاز، مشيراً إلى ما هو المهمّ من كلماته، راجياً من اللَّه سبحانه أنّ يهدينا إلى سواء السبيل، وينقذنا من التعصّب لغير الحق، إنّه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.

جعفر السبحاني

7 ربيع الأوّل 1428 ه

قم- مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام


1- نشر قسم منها في موسوعة «رسائل ومقالات»: الجزء الثالث والرابع والخامس والسادس

ص: 9

الفصل الأوّل في تفسير أهل البيت عليهم السلام

اشارة

نقل المؤلّف في تحديد معنى آل النبي صلى الله عليه و آله و سلم أقوالًا على النحو التالي:

الأوّل: هم الذين حرمت عليهم الصدقة، وبه قال الجمهور.

الثاني: هم ذريّة النبي صلى الله عليه و آله و سلم وأزواجه خاصّة، وهو مختار ابن العربي.

الثالث: أتباع النبي صلى الله عليه و آله و سلم إلى يوم القيامة، واختاره الإمام النووي من الشافعية والمرداوي من الحنابلة.

الرابع: هم الاتقياء من أُمّته صلى الله عليه و آله و سلم.

وبعد أن استعرض الآراء أشار إلى المختار لديه قائلًا:

والراجح من هذه الأقوال هو القول الأوّل- قول الجمهور-

ص: 10

وبناءً عليه طرح هذا السؤال: مَنْ هم الذين حُرِّمت عليهم الصدقة؟

الجواب: هم بنو هاشم وبنو المطلب، هذا هو الراجح؛ لقول النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «إنّما بنو هاشم وبنو المطلب شي ء واحد»(1)، ومن العلماء مَنْ قصر التحريمَ على بني هاشم فقط دون بني المطلب.(2)

مَنْ حُرّمت عليهم الصدقة؟

لايهمنا تحديد مَنْ حُرّمت عليهم الصدقة، وهل هم بنو هاشم فقط، أو هم وبنو المطلب؟

وقد جنح الشيخ إلى التعميم، ولكنّه لو درس أدلّة المسألة بعمق ودون تقليد، لاختار المعنى الأوّل، وذلك لأنّ دليل حرمة الصدقة هو الحديثان:

1. قوله صلى الله عليه و آله و سلم: «يا بني هاشم إنّ اللَّه حرّم عليكم غُسالة أوساخهم وعوّضكم عنها بخمس الخمس».

2. قوله صلى الله عليه و آله و سلم: «إنّ هذه الصدقات إنّما هي أوساخ الناس، وإنّها لا تحلّ لمحمد ولا لآل محمد».


1- صحيح البخاري: ح 3311
2- آل البيت وحقوقهم الشرعية: 8

ص: 11

وكلا الحديثين قاصران عن إثبات التعميم.

أمّا الأوّل: فالموضوع فيه هو بنو هاشم، وهم ولد أبي طالب: عقيل وجعفر وعلي، وولد العباس بن عبدالمطلب، وولد أبي لهب، وولد الحارث بن عبدالمطلب فقط، إذ لا عقب لهاشم إلّامن هؤلاء، وعلى هذا فلا تحرم الصّدقة على ولد المطلب ونوفل وعبد شمس بن عبد مناف.

وأمّا الثاني: فالموضوع أضيق وهو آل محمد، وقد رواه مسلم في صحيحه.(1) وذلك لأنّ المراد من «آل محمد» مَنْ ينتمي إلى النبي بالنسب، ومن المعلوم أنّ بني هاشم أقرب إلى النبي من بني المطلب؛ لأَنَّ النبي ينتمي في عمود النسب إلى هاشم لا إلى المطلب، فهو محمد بن عبداللَّه بن عبدالمطلب بن هاشم، والمطلب كان أخا هاشم، فهو عمّ جدّ النبي، أي عبدالمطلب.

وأمّا ما استدلّ به على سعة الموضوع وشموله لأبناء المطلب بما روي من أنّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: «إنّما بنو هاشم وبنو المطلب شي ء واحد» فهو قاصر الدلالة على ما يتبنّاه، لأنّ المؤلّف نقل الحديث مبتوراً وهو بالنحو التالي: «إنا وبنو


1- صحيح مسلم بشرح النووي: 7/ 177

ص: 12

المطلب لم نفترق في جاهلية ولا في إسلام، وإنّما نحن وهم شي ء واحد».(1) وفي رواية: «إنّما بنو هاشم وبنو المطلب شي ء واحد، وشبك بين أصابعه».(2) فحينئذ يقع الكلام في ما هو المراد من التوحيد بين القبيلتين؟

فهل المراد هو الوحدة النسبية؟ أو المراد التكاتف والوحدة في الكلمة في عصري الجاهلية والإسلام؟ أو المراد به اشتراكهما في أخذ الخمس أو حرمة الصدقة؟ ومع هذه الاحتمالات المتعدّدة كيف يمكن الاحتجاج بهذا الحديث على حرمة الصدقة عليهم؟

ومن الواضح: أنّ توسيع مفهوم آل البيت بهذا النحو هو خفض لمقامهم بإدخال كثير من الناس الذين لم يسجّل التاريخ لهم طهارة نفسانية ولا مواقف محمودة تحت هذا المفهوم السامي.

هذا ما يرجع إلى موضوع تحريم الصدقة، وقد عرفت أنّ الحق هو خلاف ما اختاره المؤلّف.


1- سنن أبي داود: 2/ 26، باب في بيان مواضع قسم الخمس وسهم ذوي القربى
2- صحيح البخاري: 4/ 155، باب المناقب

ص: 13

تفسير آل البيت بمَن تحرم عليه الصدقة

ثم إنّ الشيخ لم يذكر على تفسير آل البيت بمَن تحرم عليهم الصدقة دليلًا، ولا ملازمة بين كون عامّة بني هاشم أو بني المطلب أيضاً ممّن تحرم عليهم الصدقة وكونهم هم المقصودين من آل البيت في قوله تعالى: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً»(1) فكان عليه أن يدلّل على وحدة المفهومين مصداقاً وتطبيقاً؛ حتّى يتّضح أنّ مَنْ تحرم عليهم الصدقة هم أهل البيت، وأنّ أهل البيت هم الذين تحرم عليهم الصدقة.

فأيُّ دليل له على تساويهما مصداقاً وتطبيقاً؟

بل يمكن أن يقال: إنّ بين المفهومين- خصوصاً عند أهل السنّة- عموماً وخصوصاً من وجه، فيجتمعان في مورد ويفترقان في موردين.

أ. فأولاده ذكوراً وإناثاً من أهل بيته وتحرم عليهم الصدقة.

ب. نساؤه ممّن لا تحرم عليهن الصدقة- على المشهور بين أهل السنّة- ولكنّهنّ من مصاديق أهل البيت في العرف واللغة.


1- الأحزاب: 33

ص: 14

ج: من كان يسكن في بيته صلى الله عليه و آله و سلم ويتولّى خدمته يُعدّ من أهل البيت ولا تحرم عليه الصدقة.

أهل البيت في حديث زيد بن أرقم

مَن فسّر أهل البيت بمن تحرم عليهم الصدقة يعتمد على حديث زيد بن أرقم الذي رواه مسلم في صحيحه: أنّه قام رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يوماً فينا خطيباً بماء يُدعى خُمّاً بين مكة والمدينة، فحمد اللَّه وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: «أمّا بعد: ألا أيّها الناس، إنّما أنا بشر، يوشك أن يأتيني رسول ربي فأُجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين:

أوّلهما: كتاب اللَّه فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب اللَّه، واستمسكوا به».

فحثّ على كتاب اللَّه ورغّب فيه.

ثم قال: «وأهل بيتي، أُذكّركم اللَّه في أهل بيتي، أُذكّركم اللَّه في أهل بيتي، أُذكّركم اللَّه في أهل بيتي».

فقال له حصين: ومَن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟

قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده.

ص: 15

قال: ومن هم؟ قال: آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس، قال: كلّ هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم.(1) وفي حديث قال صلى الله عليه و آله و سلم: «ألا وإنّي تارك فيكم ثقلين:

أحدهما: كتاب اللَّه عزوجل، وهو حبل اللَّه، مَن اتّبعه كان على الهدى، ومَنْ تركه كان على ضلالة»، وفيه فقلنا: من أهل بيته؟ نساؤه؟ قال: لا وأيم اللَّه، إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلّقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة.(2) أقول: لاشكّ في صحّة هذا الحديث، خاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار أنّ الحديث يرويه الإمام مسلم ومنزلته لا تخفى على أحد، ومع ذلك نلفت نظر القارئ إلى أُمور:

1. انّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: إنّي تارك فيكم ثقلين: أوّلهما كتاب اللَّه.

والسياق يقتضي أن يقول صلى الله عليه و آله و سلم وثانيهما.

وكأنّه قد سقط من الحديث سهواً أو عمداً، ومكانه في الحديث هو قوله: ثم قال وأهل بيتي، أي وثانيهما أهل بيتي.

2. ما هو الداعي لنزول النبي صلى الله عليه و آله و سلم في ماء يُدعى


1- صحيح مسلم: 7/ 122
2- صحيح مسلم: 7/ 123

ص: 16

«خُمّاً» بين مكة والمدينة في رجوعه من حجّة الوداع؟ ولماذا خصّ هذا الموضع لإلقاء هذه الخطبة؟ أو ليس هذا الموضع مفترق طرق الحجيج حيث تتشعّب فيه طرق المدنيين والمصريين والعراقيّين؟ فقد حاول النبي صلى الله عليه و آله و سلم أن يُسمع كلامه عامّة مَنْ حج معه، لما في كلامه من أمر مهم به هداية الأُمّة وكمالها، كما أنّ في الإعراض عنه ضلالها.

3. قرن في الحديث أهل بيته بكتاب اللَّه تعالى وأوصى المسلمين بهم ثلاث مرات حيث قال: «أُذكّركم اللَّه بأهل بيتي».

فهل كان كلامه صلى الله عليه و آله و سلم في الثقل الآخر منحصراً بالوصاية بما ذُكر، أو أنّه تكلّم بكلام آخر لم يذكر في الحديث لعلّة من العلل؟! لأنّ مقتضى كون أهل بيته عدلًا لكتاب اللَّه والثقل الآخر أن يذكر في شأنهم شيئاً يصحّح قرنهم بكتاب اللَّه، وإلّا فسيكون كلامه بعيداً عن البلاغة حيث يجعل أهل بيته عدلًا لكتاب اللَّه ولا يذكر في شأنهم إلّا أمراً بسيطاً.

ولئن فات مسلم أن يذكر الحديث بتمامه، فلم يفت غيره أن يذكركلام الرسول صلى الله عليه و آله و سلم في ذلك المشهد العظيم.

فهذا هو الإمام أحمد أخرج في مسنده عن عطية

ص: 17

العوفي قال: سألت زيد بن أرقم فقلت له: إن ختناً لي حدّثني عنك بحديث في شأن علي يوم غدير خمّ، فأني أُحب أن أسمعه منك؟ فقال: إنّكم معشر أهل العراق فيكم ما فيكم، فقلت له: ليس عليك مني بأس، فقال: نعم، كنّا بالجحفة فخرج رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم إلينا ظهراً وهو آخذٌ بعضد عليّ، فقال: «يا أيها الناس ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟» قالوا: بلى، قال: «فمن كنت مولاه فعليّ مولاه». قال: فقلت له: هل قال: اللهم والِ مَنْ والاه، وعادِ من عاداه؟ قال: إنّما أُخبرك كما سمعت.

وفي موضع آخر من المسند عن سفيان، عن أبي عوانة، عن المغيرة، عن أبي عبيد، عن ميمون أبي عبداللَّه قال: قال زيد بن أرقم وأنا أسمع: نزلنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بوادٍ يقال له: وادي خُم، فأمر بالصلاة، فصلاها بهجير، قال:

فخطبنا وظُلّل لرسول اللَّه بثوب على شجرة سمرة من الشمس، فقال: «ألستم تشهدون أنّي أولى بكلّ مؤمن من نفسه؟» قالوا: بلى. قال: «فمن كنت مولاه فإنّ عليّاً مولاه، اللّهم عاد من عاداه، ووال من والاه».(1)


1- مسند أحمد: 4/ 368 و 372، ورواه النسائي في الخصائص: 16

ص: 18

4. إنّ تفسير أهل البيت بمَن تحرم عليهم الصدقة، إنّما هو رأي رآه الصحابي زيد بن أرقم، ولم ينسبه إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم كما هو صريح الحديث، ومن المعلوم: أنّ نقل الصحابي حجّة في ما أسنده إلى النبي، وأمّا رأيه ونظريته، فلا يؤخذ بها إلّا إذا دعمها الدليل، وسيوافيك أنّ مفهوم أهلِ البيت في الآية الكريمة لا صلة له بهذا التفسير ولا بغيره، فانتظر.

ص: 19

الفصل الثاني مفهوم آل البيت

عند الشيعة الاثني عشرية

عقد الشيخ الدرويش هذا الفصل لبيان مفهوم آل البيت عند الشيعة الاثني عشرية، وقال فيه ما هذه خلاصته:

«جمهور الشيعة يرون أنّ المراد بأهل البيت هم أصحاب الكساء الخمسة، وأنّهم هم الذين نزلت فيهم آية التطهير، وهم: محمد صلى الله عليه و آله و سلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين، وربّما أدخلوا فيهم بقية الأئمة الاثني عشر، فقد جاء في صحيح مسلم عن عائشة قالت: «خرج النبي صلى الله عليه و آله و سلم غداة وعليه مَرط مرحّل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت

ص: 20

فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً»(1).

ثم قال: وهم يرون عدم دخول أُمّهات المؤمنين في مسمّى آل البيت، ونحن نقول: لماذا لا تدخل زوجات الرسول فيه؟ فإنّ نص الآية وسياقها يدلّ لأوّل وهلة [على] أنّ المراد بأهل البيت أزواج النبي صلى الله عليه و آله و سلم، لأنّ ما قبل آية التطهير وما بعدها خطاب لهن.

وكذلك تزعم الاثنا عشرية أنّ خطاب التذكير في قوله تعالى: «عَنْكُمُ» و «يُطَهِّرَكُمْ» يمنع من دخول أُمّهات المؤمنين في جملة أهل البيت، وهذا مردود، وذلك لأنّه إذا اجتمع المذكر والمؤنث في جملة، غُلّب المذكر.

ثم قال: (ما الدليل على) حصر آل الرسول في علي والحسن والحسين وفي تسعة من أبناء الحسين فقط؟ فهل هؤلاء فقط هم آل بيت الرسول؟!

سبحان اللَّه أين أعمام رسول اللَّه كحمزة بن عبدالمطلب والعباس بن عبدالمطلب، وأبي سفيان بن الحارث؟! أين بقية


1- صحيح مسلم: ص 1061، الحديث 2424، باب فضائل أهل بيت النبي صلى الله عليه و آله و سلم، دار ابن حزم، بيروت- 1423 ه

ص: 21

ذرية الحسين كزيد بن علي بن الحسين؟ أين ذرية الحسن؛ وبأي دليل أخرجوهم من آل البيت؟.(1)***

دليل الحصر عند الشيعة

لقد مرّ منا أنّ الشيخ الدرويش لم يعط الموضوع حقّه من الدراسة والتتبّع، ومن ثَمَّ لم يرجع في تبيين دليل الشيعة على الحصر إلى المصادر الّتي تطرقت إلى تفسير الآية بشكل واضح، كمجمع البيان للشيخ الطبرسي والميزان للعلّامة الطباطبائي إلى غير ذلك من المصادر الّتي تبنت تفسير الآية بوجه واضح، ولذلك نلفت نظر الشيخ إلى دليل الشيعة على الحصر حتّى يلاحظه بدقّة.

أوّلًا: اللام في أهل البيت للعهد

يقول سبحانه: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ» فعندئذ يطرح هذا السؤال: ما هو المراد من اللام؟ هناك احتمالات ثلاثة:

أ. اللام للجنس كما في قوله سبحانه: «إِنَّ الإِنْسَانَ


1- آل البيت وحقوقهم الشرعية: 9- 14

ص: 22

لَفِي خُسْرٍ»(1).

وهذا الاحتمال قطعي الانتفاء في الآية «أَهْلَ الْبَيْتِ» على وجه لا يحتاج إلى بيان.

ب. الاستغراق، وهذا كالاحتمال السابق.

إذاً ليست الآية بصدد بيان جميع البيوت في العالم.

فتعيّن الثالث، فلابدّ أن تكون اللام مشيرة إلى بيت واحد معهود بين المتكلّم والمخاطب، وعندئذ يجب تحديد هذا البيت الواحد المعهود.

فهل هو بيوت أزواجه، أو هو بيت فاطمة؟

لا سبيل إلى الأوّل، لأنّه لم يكن لنسائه بيت واحد، بل كانت كل واحدة تسكن في بيت، ولو أُريد واحد من بيوتهنّ لاختصت الآية بواحدة منهن، وهذا ما اتفقت الأُمّة على خلافه.

وأوضح دليل على نفي هذا الاحتمال أنّه سبحانه عندما يتكلّم عليهنَّ، يجمع البيت ويقول: «وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى»(2)، فتعيّن أنّ المراد بالآية بيت فاطمة وزوجها والحسن والحسين، فتكون الآية ناظرة إلى


1- العصر: 2
2- الأحزاب: 33

ص: 23

ذلك البيت.

ولو أُريد بيت النبي فهو أيضاً غير صحيح، إذ لم يكن للنبي بيت واحد، بل كان بيته بيوت أزواجه.

وحصيلة الكلام: أنّ الآية تتكلّم عن بيت واحد معهود، فما هذا البيت الواحد المعهود؟ هل المراد بيت أزواجه، أو بيت فاطمة؟

أمّا الأوّل: فغير صحيح، إذ لم يكن هناك بيت واحد، بل بيوت متعدّدة بحكم نصّ الآية.

وأمّا الثاني: فهو المتعيّن، فقد كان لفاطمة عليها السلام بيت واحد تسكنه بنت النبي- أفضل نساء العالمين بحكم صحيح السنّة- وولداها وزوجها.

وليس هناك بيت ثالث حتّى تكون اللام مشيرةً إليه.

ثانياً: تذكير الضمائر

إنّ تذكير الضمائر في الآية دليل واضح على عدم نزول الآية في أزواج النبي ونسائه، وإلّا كان مقتضى السياق أن يؤنث الضمير ويقال: (ليذهب عنكن الرجس ويطهركن تطهيراً)، وذلك بشهادة أنّه سبحانه خاطب في نفس الآيات نساء النبي بصيغة ضمير التأنيث.

ص: 24

ففي الآية الأُولى يخاطبهن بهذه الخطابات:

1. «لستن». 2. «اتقيتن». 3. «فلا تخضعن».

4. «وقلن».

وفي الآية الثانية يخاطبهن بما يلي:

1. «قرن». 2. «بيوتكن». 3. «لا تبرجن». 4. «أقمن».

5. «آتين». 6. «أطعن».

وفي الآية الثالثة يخاطبهن بقوله:

1. «واذكرن». 2. «بيوتكن».

وفي الوقت نفسه يتّخذ في ثنايا الآية الثانية، موقفاً خاصّاً في الخطاب ويقول:

1. «عنكم». 2. «يطهركم».

فماوجه هذا العدول إذا كان المراد نساء النبي؟

أو ليس هذا دليلًا على أنّ المراد غيرهن.

وأمّا ما اعتذر به الشيخ عن إبدال الضمير المؤنث بالمذكر وقال: «لأنّه إذا اجتمع المذكّر والمؤنث في جملة غُلّب المذكّر».

فهو من أعجب الأعذار! لأنّ الشيخ في هذا المقام بصدد بيان اختصاص الآية بنساء النبي بشهادة أنّه قال:

«فإنّ نص الآية وسياقها يدلّ ولأوّل وهلة [على] أنّ

ص: 25

المراد بأهل البيت أزواج النبي صلى الله عليه و آله و سلم أُمهات المؤمنين ...» فإذا كانت الآية نصاً- حسب تعبيره- في ما يرتئيه، فليس هناك أيُّ مذكر حتّى يغلّب على المؤنث بل الجميع أُناث.

وأعجب من ذلك ما ذكره في الهامش من أنّه: «إذا صحّ دخول فاطمة عليها السلام وهي مؤنث في الآية، فلم لا يصح في غيرها» وذلك لما بيّنّا من أنّ المراد بالبيت هو بيت فاطمة عليها السلام، فصحّ فيه التغليب لأنّ المذكر أكثر من المؤنث، وأمّا على هذا الرأي الّذي عدّه الشيخ نصَّ الآية وسياقها، فليس هناك أي مذكّر يغلب على المؤنث.

سؤال وإجابة

يمكن للشيخ أن يتخلّص من هذا المأزق بأنّ المراد من الضميرين المذكّرين مطلق من حرمت عليهم الصدقة الّذي اختاره في الفصل الأوّل خلافاً لما في هذا الفصل.

وقد سبق أنّ المذكّر والمؤنث إذا اجتمعا في جملة غُلّب المذكر.

والإجابة عن هذا السؤال واضحة، إذ يجب على الشيخ أن يلتزم بتفكيك الضمائر في الآيات فيخصّ الضميرين «عَنْكُمُ» و «يُطَهِّرَكُمْ» بمن تحرم عليه الصدقة،

ص: 26

وسائر الضمائر الّتي تناهز اثني عشر ضميراً بنساء النبي وزوجاته اللاتي لا تحرم عليهنّ الصدقة، لأنهنّ لسن هاشميات ولا مطّلبيات.

وقد حاول القرطبي التفصّي عن الإشكال فقال: إنّ تذكير الضمير يحتمل لأن يكون خرج مخرج «الأهل» كما يقول لصاحبه: كيف أهلك، أي امرأتك ونساؤك؟ فيقول:

هم بخير، قال اللَّه تعالى: «أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَةُ اللهِ وَ بَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ»(1).(2) ولكن المحاولة فاشلة، فإنّ ما ذكره من المثال على فرض سماعه من العرب إنّما إذا تقدم «الأهل» وتأخّر الضمير، دون العكس كما في الآية، فإنّ أحد الضميرين مقدّم على الأهل في الآية، قال سبحانه: «عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ».

ثالثاً: ممارسة الحصر في فعل الرسول صلى الله عليه و آله و سلم

اشارة

وقد تكرر في كلام الشيخ في ذلك الفصل أنّه لا دليل على حصر الآية في فاطمة وبعلها وبنيها، ولكنّه لو أمعن


1- هود: 73
2- جامع الأحكام: 14/ 182

ص: 27

النظر في ما ذكرنا من الوجهين وما مارسه النبي صلى الله عليه و آله و سلم طيلة حياته، إذ طبق الآية على المذكورين غير مرّة، لوقف على أنّ القول بالحصر هو عين الصواب لا بعيداً عن الصواب، وها نحن نذكر شيئاً من ممارسة النبي لتطبيق الآية:

1. إدخالهم تحت الكساء

ما نقله المؤلّف عن صحيح مسلم عن عائشة خرج النبي صلى الله عليه و آله و سلم غداة وعليه مَرْط مُرحّل من شعر أسود، فأدخل الحسن والحسين وفاطمة وعلياً تحته ثم قال: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً»، فماذا كان النبي يقصد بذلك العمل؟ فلو كان المراد كل من يحرم عليهم الصدقة أو نساءه وزوجاته، فما هو الوجه لإدخالهم تحت الكساء، فإنّ عمله هذا نوع تحديد لمفهوم الآية، حتّى يسد الطريق أمام كلّ مَن يريد تفسير الآية بغير هؤلاء الأربعة أو جعل شركاء آخرين لهم في المراد.

2. تلاوة الآية على باب بيت فاطمة عليها السلام

حفلت كتب التفاسير لأهل السنّة عند تفسير آية التطهير بذكر روايات عديدة تشير إلى أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم كان يتلو هذه الآية على باب بيت فاطمة عندما كان يمر عليها، وهي كثيرة نذكر هنا القليل منها:

ص: 28

1. عن أنس أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم كان يمر ببيت فاطمة ستة أشهر كلّما خرج إلى الصلاة فيقول: الصلاة أهل البيت: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً».

2. وعن أبي الحمراء قال: رابطت المدينة سبعة أشهر على عهد النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: رأيت النبي صلى الله عليه و آله و سلم إذا طلع الفجر جاء إلى باب علي وفاطمة فقال: الصلاة الصلاة: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً».

3. وعن أبي سعيد الخدري قال: لمّا دخل علي رضى الله عنه بفاطمة عليها السلام جاء النبي صلى الله عليه و آله و سلم أربعين صباحاً إلى بابها يقول:

«السلام عليكم أهل البيت ورحمة اللَّه وبركاته، الصلاة رحمكم اللَّه «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً»، أنا حرب لمن حاربتم، أنا سلم لمن سالمتم».(1) والروايات الواردة في تفسير الآية بفاطمة عليها السلام ومن يسكن بيتها تناهز 35 رواية تنتهي أسانيدها إلى أقطاب الحديث من الصحابة وهم:

1. أبو سعيد الخدري.


1- لاحظ للوقوف على مصادر هذه الروايات: تفسير الطبري: 22/ 5- 7، والدر المنثور للسيوطي: 5/ 198- 199

ص: 29

2. أنس بن مالك.

3. ابن عباس.

4. أبو هريرة الدوسي.

5. سعد بن أبي وقاص.

6. واثلة بن الأسقع.

7. أبو الحمراء، أعني: هلال بن الحارث.

8. أُمّهات المؤمنين: عائشة وأُم سلمة.

أفيصح بعد هذا لمناقش أن يشك في صحّة نزولها في حق العترة الطاهرة؟

وليس الطبري ولا السيوطي فريدين في نقل تلك المأثورات، بل سبقهما أصحاب الصحاح والمسانيد، فنقلوا نزول الآية في حقّهم صريحاً أو كناية، منها:

1. ما نقله الترمذي عن أم سلمة رضي اللَّه عنها، قالت: إنّ هذه الآية نزلت في بيتي «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» قالت: وأنا جالسة عند الباب فقلت: يا رسول اللَّه ألست من أهل البيت؟ فقال: «إنّك إلى خير، أنت من أزواج رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه و آله و سلَّم»، قالت: وفي البيت رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه و آله و سلَّم وعلي وفاطمة وحسن وحسين،

ص: 30

فجلّلهم بكسائه وقال: «اللّهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً».(1) وفي رواية أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم جلّل على الحسن والحسين وعلي وفاطمة ثم قال: «اللّهم هؤلاء أهل بيتي وحامَّتي أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً»، قالت أُم سلمة: وأنا معهم يا رسول اللَّه؟ قال: «إنّك إلى خير».(2) هذا، وقد تركنا نقل ما وقفنا عليه من النصوص الصريحة في نزول الآية و اختصاصها بأصحاب الكساء روماً للاختصار، فعلى الشيخ ومَن على منهجه أن يرجع إلى المصادر الحديثية المتوفّرة بين يديه.(3) وإذا كان الوحي هو الّذي خصّص الآية ببيت خاص،(4) فما معنى تباكي الشيخ على أعمام الرسول وأبناء


1- سنن الترمذي: 5/ 30 برقم 3258، تفسير سورة الأحزاب باختلاف
2- سنن الترمذي: 5/ 360 برقم 3963، باب ما جاء في فضل فاطمة عليها السلام
3- للوقوف على تلك المأثورات انظر: جامع الأُصول لابن الأثير: 10/ 100- 103 وغيره من الجوامع الحديثية.
4- ذلك البيت الّذي يتمتع بجلال وكرامة والّذي عرّفه النبي بأنّه من أفاضل البيوت الّتي أمر الناس برفعها، أخرج السيوطي في الدر المنثور عن أنس بن مالك وبريدة أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قرأ قوله تعالى: «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ» فقام إليه رجل وقال: أيّ بيوت هذه يا رسول اللَّه؟ فقال صلى الله عليه و آله و سلم: «بيوت الأنبياء». فقام إليه أبو بكر وقال: يا رسول اللَّه، وهذا البيت منها؟ وأشار إلى بيت علي وفاطمة عليهما السلام. فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: نعم من أفاضلها». الدر المنثور: 5/ 50

ص: 31

أعمامه أو بقية ذرية الحسن والحسين، بقوله: أين أعمام الرسول، وأبناء أعمامه إلى آخر ما ذكره؟! أليس هذا إطاحة بالوحي وتقدّماً على اللَّه ورسوله؟! وقد قال سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَ رَسُولِهِ»(1).

2. ما رواه مسلم في صحيحه عن سعد بن أبي وقاص في حديث لمّا نزل قوله سبحانه: «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَ أَبْنَاءَكُمْ وَ نِسَاءَنَا وَ نِسَاءَكُمْ ...»(2).

دعا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: «اللّهم هؤلاء أهلي».(3) ولا أظن أنّ الشيخ الدرويش يناقش في صحّة هذين الحديثين اللذين رواهما مسلم في صحيحه.


1- الحجرات: 1
2- آل عمران: 61
3- صحيح مسلم: ص 1054، الحديث 2404، باب فضائل علي عليه السلام

ص: 32

ص: 33

الفصل الثالث فضائل آل البيت عند أهل السنّة

اشارة

عقد الشيخ الدرويش فصلًا تحت هذا العنوان وذكر فضائلهم في القرآن وعدّ منها:

1. آية التطهير.

2. آية المباهلة.

3. حديث الغدير.

4. حديث الاصطفاء، يعني ما رواه مسلم في صحيحه عن واثلة بن الأسقع قال: سمعت رسول اللَّه يقول: «إن اللَّه اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم».

5. حديث الصلاة الإبراهيمية.

روى أحمد في مسنده عن رجل من أصحاب

ص: 34

النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنّه كان يقول: «اللّهم صل على محمد وعلى أهل بيته، وعلى أزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، وبارك على محمد، وعلى أهل بيته، وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد».

ثم نقل عن ابن القيّم أنّه قال حول الحديث: جمع بين الأزواج والذرية والأهل، وإنّما نصّ عليهم بتعيينهم، ليبيّن أنّهم حقيقون بالدخول في الآل وأنّهم ليسوا بخارجين منها، بل هم أحقّ من دخل فيه، وهذا كنظائره من عطف الخاص على العام.

وأمّا ما ورد عن الصحابة (رض) في حقّ آل البيت فأكثر من أن يُحصر فمن ذلك، قال أبو بكر: ارقبوا محمداً في أهل بيته.

وقال لعلي: والّذي نفسي بيده لقرابة رسول اللَّه أحبّ إلي أن أصل قرابتي؛ وبعد أن ذكر بعض الأحاديث والآثار في فضائل آل البيت قال: وطلباً للاختصار لم نتوسع في ذكر ما ورد عن علماء السنة وأئمتهم في الثناء على آل البيت وهي كثيرة جدّاً لو جمعت لامتلأت بها مجلدات.(1)


1- آل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعية: 15- 21

ص: 35

تحليل ومناقشة

اشارة

لا شك أنّ ما ذكره من فضائل أهل البيت صحيح لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه، غير أنّا نسأل المؤلّف أن يجيب عن هذا السؤال:

ما هو المبرِّر والداعي لذكر هذه الفضائل في الذكر الحكيم والسنّة النبوية؟

فهل أنّ الغرض من ذلك فقط هو دعوة المسلمين إلى تكريمهم حتّى يحتلّوا مكانة مرموقة في المجتمع الإسلامي.

أم أنّ هناك أمراً آخر وراء ذلك أيضاً؟

إذ لو كان الغرض مجرد الدعوة إلى التكريم وإظهار الحب لكفى في ذلك الآية الكريمة: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى»(1).

ولما كانت هناك حاجة إلى إشراكهم في المباهلة، أو التعريف بعلي في غدير خمّ في ذلك المحتشد العظيم في الجو اللاهب حيث لا يظلهم فيه إلّاالشمس قائلًا: «من كنت


1- الشورى: 23

ص: 36

مولاه فهذا علي مولاه».

كلّ ذلك يبعثنا لئن نتحسّس الدافع الحقيقي الّذي صار سبباً لئن يهتم الوحي الإلهي ببيان مكانتهم ومقاماتهم في شتّى المواقف والحالات، وما ذلك الهدف إلّادعوة الناس إلى مرجعية أهل البيت في ما يهمّ المسلمين في دينهم ودنياهم، وقد صرّح بذلك في حديث الثقلين الّذي قد رواه أعلام أهل السنّة، ونقتصر على ذكر القليل من الكثير:

1. حديث الثقلين

1. أخرج الترمذي من حديث جابر وزيد بن أرقم قول رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: «يا أيّها الناس إنّي تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا: كتاب اللَّه، وعترتي أهل بيتي» وقال صلى الله عليه و آله و سلم: «إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي: كتاب اللَّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما».(1) 2. أخرج أحمد بطريق صحيح من حديث زيد بن ثابت قوله صلى الله عليه و آله و سلم: «إنّي تارك فيكم خليفتين: كتاب اللَّه حبل ممدود ما بين السماء والأرض (أو بين السماء إلى الأرض)، وعترتي أهل بيتي وانّهما لن يفترقا حتّى يردا


1- صحيح الترمذي: 5/ 328- 329 برقم 3874 و 3876

ص: 37

عليّ الحوض».(1) 3. أخرج الحاكم في الجزء الثالث من المستدرك قوله صلى الله عليه و آله و سلم: «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللَّه وأهل بيتي، وأنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض».(2) قال: هذا حديث صحيح الاسناد على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.

وأقرّ الذهبي في تلخيص المستدرك بصحّته على شرط الشيخين في هامش الكتاب.

وللحديث طرق ومصادر كثيرة لا يسع المقام لنقلها، ومن أراد فليرجع إلى ما أُلّف حول الحديث من موسوعات وكتب ورسائل.

وهناك كلمة قيّمة لابن حجر؛ إذ بعدما نقل حديث الثقلين قال ما هذا لفظه:

ثم اعلم أنّ لحديث التمسّك بهما طرقاً كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابياً، ... إلى أن قال: وفي بعض تلك الطرق: أنّه قال ذلك بحجة الوداع بعرفة، وفي أُخرى: أنّه قاله بالمدينة في مرضه، وقد امتلأت الحجرة بأصحابه. وفي


1- مسند أحمد: 5/ 182 و 189
2- المستدرك على الصحيحين: 3/ 148

ص: 38

أُخرى: أنّه قال ذلك بغدير خم، وفي أُخرى: أنّه قال ذلك لمّا قام خطيباً بعد انصرافه من الطائف كما مرّ (قال): ولا تنافي، إذ لا مانع من أنّه كرر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها اهتماماً بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة ... إلى آخر كلامه.(1)

2. حديث السفينة

وليس حديث الثقلين فريداً في الإشارة إلى أنّ أهل بيته صلى الله عليه و آله و سلم هم المعنيّون بوجوب الرجوع إليهم في أُمور الدين والدنيا، بل تتلوه أحاديث أُخرى نذكر حديثاً واحداً منها وهو حديث السفينة المعروف.

قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: «ألا أنّ مثَلَ أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح في قومه مَن ركبها نجا، ومَن تخلّف عنها غرق».(2) وللحديث طرق ومصادر أُخرى، صفحنا عن ذكرها للاختصار.

كلّ ذلك يدلّ على أنّ الغرض الأهم والمقصد الأسنى من الإشارة إلى فضائلهم ومناقبهم الّتي ذكر الشيخ المؤلف


1- الصواعق المحرقة: 148 ط. المحمدية وص 89 ط الميمنية بمصر
2- المستدرك: 3/ 151

ص: 39

قسماً منها وترك القسم الآخر، هو بيان أنّهم هم المفزع والمرجع في مهام الأُمور ممّا يمت إلى العقيدة والشريعة وإدارة الأُمور وتدبيرها.

فعندئذ نسأل المؤلّف- أعني: فضيلة الشيخ صالح الدرويش- هل أنّه رجع إليهم في جانبي العقيدة والشريعة؟! أو هل أنّ أساتذته ومشايخه قد رجعوا إليهم في الأُصول والفقه؟!

أم أنّهم أعرضوا عن العترة الطاهرة في هذين المجالين وأناخوا ركائبهم على أبواب غيرهم.

وأمّا ما ذكره في معرض كلامه عن الحديث المروي في مسند أحمد عن رجل من أصحاب النبي عنه صلى الله عليه و آله و سلم:

«اللّهم صل على محمد وعلى أهل بيته وعلى أزواجه وذريته» حيث قال: إنّه من قبيل عطف الخاص على العام.

فإنّه أمر غير صحيح على مختاره في تفسير أهل البيت، لأنّه فسّر أهل البيت بمن تحرم عليهم الصدقة، ومن المعلوم:

أنّ أزواج النبي لا تحرم عليهنّ الصدقة؛ لأنهنّ لسن هاشميات ولا مطّلبيّات،(1) ولو صحّ الحديث فهو في


1- إلّازينب بنت جحش، ابنة عمته صلى الله عليه و آله و سلم

ص: 40

مورد الأزواج من عطف المغاير على المغاير، وسوف نعطي الموضوع حقّه في فصل خاص عند ذكر الصلوات على النبي صلى الله عليه و آله و سلم.

ص: 41

الفصل الرابع عقيدة أهل السنّة والجماعة

في آل البيت عليهم السلام

عقد الشيخ الدرويش هذا الفصل لبيان عقيدة أهل السنّة في آل البيت عليهم السلام، وكان اللائق به أن يلتزم بتوضيح ما يحكي عنه العنوان ولا يخرج، في ثنايا البحث عنه إلّاأنّنا وجدناه- عفا اللَّه عنّا وعنه- قد اتخذ العنوان غطاءً للرد على ما حسبه عقيدة للشيعة في آل البيت عليهم السلام، فخلط الغث بالسمين والزائف بالصحيح، ونحن نذكر خلاصة ما ذكره في ذلك الفصل ضمن نقاط:

الأُولى: قال: يتّهم الاثنا عشرية أهل السنّة يفيد أنّهم يبغضون آل البيت، لذا يسمّونهم بالنواصب والخوارج، ولكنّ الحق أنّ مذهب أهل السنّة مذهب مستقل ومذهب

ص: 42

النواصب والخوارج مذهب آخر.

فأهل السنّة وسط في حب آل البيت بين المذاهب.(1) يلاحظ على ما ذكر:

إنّ الشيعة تُميِّزُ أهل السنّة عن الخوارج والنواصب في كتب العقيدة والشريعة، ومَن كان له أدنى إلمام بكتبهم يعرف أنّ لكلّ من هؤلاء تعريفاً في كتبهم وأحكاماً خاصّة، فكان على الشيخ أن يذكر مصدراً من كتب الشيعة بأنّهم يتّهمون أهل السنّة عامّة بكونهم من النواصب والخوارج.

وكيف يمكن للشيعة أن يَعدّوا أهل السنّة من النواصب والخوارج؟! وهم تبعاً لفقهائهم يكفّرون طوائف ثلاثة، وهي: الغلاة، والخوارج، والنواصب، ولا يكفّرون أحداً من أهل السنّة.(2) كيف يتّهمون أهل السنّة وهم يترنّمون بأبيات الإمام الشافعي في حق آل البيت، إذ يقول:

يا أهل بيت رسول اللَّه حبكمُ فرض من اللَّه في القرآن أنزلهُ

كفاكم من عظيم الفخر انّكمُ من لم يصلِّ عليكم لاصلاة لهُ

وقال أيضاً:

يا راكباً قفْ بالمحصَّب من منى واهتف بقاعد خِيفها والناهضِ

سَحَراً إذا فاض الحجيج إلى منىً فيضاً كملتطم الفرات الفائضِ

إن كان رفضاً حبّ آل محمدٍفليشهدِ الثقلانِ أنّي رافضي

ومن أشعاره أيضاً:

إذا في مجلسٍ ذكروا علياًوسبطيه وفاطمة الزكيّة

يقال تجاوزوا يا قوم هذافهذا من حديث الرافضيّة

برئتُ إلى المهيمن من أُناسٍ يرون الرفض حبَّ الفاطمية

والمسألة غنية عن البيان لا تحتاج إلى نقل كلمات فقهائنا في حق أهل السنّة، بل يكفينا أن نشير إلى أنّ جميع فقهاء الشيعة يعتمدون في ذكر فضائل الأئمة ومناقبهم على


1- آل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعية: 21
2- العروة الوثقى، للسيد كاظم اليزدي: 24، طبع دار الكتب الإسلامية؛ تحرير الوسيلة، للإمام الخميني: 1/ 118

ص: 43

ص: 44

المصادر الحديثية الّتي كتبها العلماء الأعلام من أهل السنّة.

فهل راجعت يا سماحة الشيخ ماكتبه أقطاب أهل الحديث من أهل السنّة في مناقب أئمة أهل البيت، نظراء:

1. الإمام أحمد بن حنبل (المتوفّى 241 ه) مؤلّف كتاب فضائل علي الّذي طبع ضمن كتاب «فضائل الصحابة».

2. الحافظ أبي عبدالرحمن أحمد بن شعيب النسائي (المتوفّى 303 ه) مؤلف كتاب «خصائص الإمام أمير المؤمنين عليه السلام» المطبوع في مصر وغيرها.

3. الحافظ الخطيب أبي الحسن علي بن محمد الشهير بابن المغازلي (المتوفّى 483 ه) مؤلّف كتاب «مناقب الإمام علي بن أبي طالب».

4. أحمد بن محمد المكّي المعروف بالخوارزمّي (المتوفّى 568 ه) مؤلف «المناقب». وقد قمنا بطبع هذا الكتاب مقدّمين له مقدّمة بقلمنا باسم: «علي إمام المتقين».

5. الإمام الحافظ شمس الدين محمد بن محمد الجزري الشافعي (المتوفّى 833 ه) مؤلف كتاب: «أسنى المطالب في مناقب سيدنا علي بن أبي طالب».

إلى غير ذلك من كتب ورسائل ألّفها إخواننا أهل

ص: 45

السنّة، فكيف يمكن لنا أن نتّهمهم بالنصب والخروج؟!

وقد قمنا تبعاً لأسلافنا بإلقاء محاضرات في الفرق الإسلامية وطبعت في عدة أجزاء(1) فخصصنا الجزء الأوّل لبيان عقيدة أهل الحديث، والثاني لبيان عقيدة الأشاعرة، والثالث لبيان عقيدة المعتزلة، والرابع لبيان عقيدة الوهابية، والخامس لبيان عقيدة الخوارج والاباضية، والسادس لبيان عقيدة الشيعة الإمامية، والسابع لبيان عقيدة الزيدية، والثامن لبيان عقيدة الإسماعيلية.

ويحق لنا أن نعاتبه بأنّ بعض مشايخ أهل السنّة هم الذين يتّهمون الشيعة بالكفر، وهذا هو مسلسل التكفير الّذي يصدره مشايخ الوهابية حيناً بعد حين ويرأسهم عبداللَّه بن عبدالرحمن بن جبرين (عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية) مرة بعد أُخرى، والّذي يقول في أحد بياناته المؤرخ 22/ 2/ 1412 ه: إنّ الرافضة غالباً مشركون حيث يدعون علي بن أبي طالب دائماً في الشدة والرخاء، حتّى في عرفات والطواف والسعي، ويدعون أبناءه وأئمتهم كما سمعناهم مراراً، وهذا شرك أكبر،


1- انظر: موسوعة بحوث في الملل والنحل، في ثمانية أجزاء، طبع مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام- للمؤلف

ص: 46

وردّة عن الإسلام يستحقون القتل عليها، كما أنهم يغالون في وصف علي رضى الله عنه ويصفونه بأوصاف لا تصلح إلّاللَّه، كما سمعناهم في عرفات، وهم بذلك مرتدون.

ولم يكتف هذا المفرّق بذلك، بل له جواب مشابه عن سؤال آخر أدلى به بتاريخ 23/ 8/ 1421 ه في مسجد الراجحي في إحدى حلقات درسه ولم يأت فيه بشي ء جديد.

ولم تتوقّف بياناته المغرضة حتّى أنّه أصدر في هذه الأيام(1) بياناً يدعو فيه إلى تكفير الشيعة وجواز قتلهم، وقد صدّر بيانه في وقت كانت الحرب ضارية بين مجاهدي شيعة لبنان والعدو الصهيوني، وقد بلغت الجرأة بابن جبرين ومن لفّ لفَّه إلى حدّ حرّم هو وأمثاله حتّى الدعاء لأجل طلب النصر للشيعة في حربهم على الاسرائيليين.

أفبعد هذه الوثائق الصارخة يصحّ للشيخ الدرويش أن يعتب على الشيعة ويقول: إنّهم يتّهمون السنّة بأنّهم خوارج ونواصب؟!

وحاشاه أن يكون مصداق هذا المثل: رمتني


1- تاريخ إصدار البيان كان في 2/ 1/ 1428 ه

ص: 47

بدائها وانسلت.

وقد صار عمل ابن جبرين ذريعة لعدّة ممّن لا يخافون اللَّه، فأصدروا بياناً يكفّرون فيه الشيعة، ويدعون إلى نصرة الإرهابيّين الذين يقتلون المسلمين في العراق وغيره بلا رحمة.

الثانية: قال: والاثنا عشرية يغالون في حب آل البيت، ومنهم من يطوف على قبورهم ويدعوهم بكشف الضر وجلب النفع، ومنهم من يزعم أنّهم يعلمون الغيب، وأمّا أهل السنّة فهم لا يغلون (1)، ولا يطوفون حول قبورهم، لأنّ اللَّه أمر بالطواف حول الكعبة فقط، ولأنّ الطواف عبادة والعبادة لا تكون إلّاللَّه، وكذلك لا يدّعون فيهم أنّهم يعلمون الغيب، لأنّ اللَّه يقول: «قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَ الأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ»(2).

ثم إنّ المؤلّف استدلّ على عدم علمهم بالغيب بخروج الإمام الحسين عليه السلام مع أولاده الصغار من مكة متوجهاً إلى كربلاء وقال: وهل يصحّ الخروج بالأولاد الصغار إلى


1- كذا في المصدر والصحيح «يغالون»
2- النمل: 65

ص: 48

مصارعهم وقد قال تعالى: «وَ لَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ»(1)؟ فكيف يخرج الحسين رضى الله عنه بأولاده الصغار وهو يعلم قتلهم؟! بل هذا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وهو أفضل خلق اللَّه وأكرمهم عليه يقول كما أمره ربه: «وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ»(2).

هذه النقطة هي الّتي أشرنا إليها من قبل وقلنا: إنّ المؤلّف قد خرج فيها عن العنوان الّذي اختاره لهذا الفصل، وصار يتّهم الشيعة ويردّ عليهم ونسب إليهم الأُمور التالية:

1. أنّهم يطوفون على قبور الأئمة.

2. يدعونهم لكشف الضر.

3. منهم من يزعم أنّهم يعلمون الغيب.

4. كيف خرج الحسين وهويعلم قتله وقتل أولاده الصغار؟

وإليك دراسة ما ذكر.

أمّا الأمر الأوّل: فهو أمر لامسحة عليه من الحق ولا لمسة له من الصدق، وكان على الشيخ أن يذكر مصدراً لذلك، وشهيدي اللَّه إنّي لم أر في كتاب ولا رسالة ولا في


1- الإسراء: 31
2- الأعراف: 188

ص: 49

كتيب منسوب إلى أحد الشيعة أن يذكر فيه استحباب الطواف على القبور، وقد تواترت الروايات على زيارة القبور، بالأخّص زيارة قبر النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم وأهل بيته عليهم السلام، وأمّا الطواف فلم يذكره أحد، ولو صدر شي ء يشبه الطواف من شخص، فيجب أن يُرشد إلى الحق، لا أن يتّخذ دليلًا ضد الشيعة جميعهم.

وأمّا الأمر الثاني: أعني به دعاء الأئمة لكشف الضر وقضاء الحوائج، فهو أيضاً نسبة مفتعلة تضاد عقائد الشيعة، فإنّ التوحيد في الربوبية(1) من مراتب التوحيد، وأنّه لا يقضي الحوائج ويكشف الكرب سوى اللَّه سبحانه، كما أنّه لا خالق غيره.

وهؤلاء هم الشيعة يقرأون لقضاء حوائجهم هذه الآية: «أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ» ثم إنّهم بعد ذلك يذكرون حوائجهم.

وهاهم أيضاً يقرأون صباح كلّ جمعة الدعاء التالي:

«اللهم أنتَ كشّافُ الكُرَبِ والبلْوى، وإليك أسْتَعدي فعندك العَدْوى، وأنتَ ربُّ الآخرةِ والدنيا، فأغثِ يا غياثَ


1- التوحيد في الربوبيّة غير التوحيد في الخالقية، وقد خلط غير واحد من طلاب منهج محمد بن عبدالوهاب بينهما، لاحظ مفاهيم القرآن: 1/ 380

ص: 50

المستغيثين عُبيدَك المبتلى».

وكذا نجد في الدعاء الّذي علمه الإمام علي عليه السلام لحواريّه كميل بن زياد والشيعة يدعون بهذا الدعاء الّذي يتضمن قوله عليه السلام: «اللّهم إنّي أسألك برحمتك الّتي وسعت كلّ شي ء ... إلى أن يقول: يا غياثَ المُستغيثين يا غايةَ آمالِ العارفِين يا حبيبَ قلوب الصادقين»، إلى غير ذلك من الأدعية الّتي يردّدها الشيعة كلّ يوم وليلة، ولا يرون رباً ولا كاشفاً للكرب ولا قاضياً للحوائج سوى اللَّه سبحانه، ولسان حالهم هو الآية الكريمة: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَ اللهُ هُوَ الْغَني الْحَمِيدُ».

نعم التوسّل بالنبي والأئمة غير دعائهم لكشف الضر وجلب النفع، ومعنى التوسّل هو: طلب الدعاء منهم، لأنّهم ممّن تُستجاب دعوتُهم، وليس طلبُ الدعاء منهم بعد رحلتهم إلّاكطلب الدعاء منهم حال حياتهم، فلو كان الأوّل شركاً كان الثاني أيضاً مِثلَه، وكون المدعو حيّاً أو ميتاً لا يؤثر في حقيقة الدعاء، وإنّما يؤثر في كون الدعاء نافعاً أو غير نافع.

وقد جرت سيرة الصحابة على طلب الدعاء من النبي بعد رحيله كما هو الحال في حال حياته، وها نحن نذكر

ص: 51

أُنموذجاً لذلك.

روى الطبراني عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف: أنّ رجلًا كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له، فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقي ابن حنيف فشكا ذلك إليه، فقال له عثمان بن حنيف: إئت الميضأة فتوضّأ ثم ائت المسجد فصلّ فيه ركعتين ثم قل: اللّهم إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه و آله و سلم نبي الرحمة، يا محمد إنّي أتوجّه بك إلى ربّي فتقضي لي حاجتي، فتذكر حاجتك ورح حتّى أروح معك.

فانطلق الرجل فصنع ما قال له، ثم أتى باب عثمان بن عفان (رض) فجاء البوّاب حتّى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان (رض) فأجلسه معه على الطنفسة، فقال:

حاجتك؟ فذكر حاجته، فقضاها له، ثم قال له: ما ذكرتُ حاجتك حتّى كان الساعة، وقال: ما كانت لك من حاجة فاذكرها، ثم إنّ الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك اللَّه خيراً، ه ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إليّ حتّى كلمته فيّ، فقال عثمان بن حنيف: واللَّه ما كلّمتُه، ولكنّي شهدت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وقد أتاه ضرير فشكا إليه ذهاب بصره فقال له النبي صلى الله عليه و آله و سلم: فتصبّر، فقال: يا رسول اللَّه

ص: 52

ليس لي قائد، فقد شق عليّ، فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «إئت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين ثم ادع بهذه الدعوات».

قال ابن حنيف: فواللَّه ما تفرّقنا وطال بنا الحديث حتّى دخل علينا الرجل كأنّه لم يكن به ضرّ قط.(1) إنّ هذه الرواية ونظائرها تكشف عن أنّ الصحابة كانوا يدعون رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ويتوسّلون به حتّى بعد وفاته صلى الله عليه و آله و سلم من دون أن يعتبروا ذلك محرّماً، بل ولا مكروهاً.

هذا هو الإمام شمس الدين أبو الفرج عبدالرحمن بن قدامة المقدسي (المتوفّى 682 ه) الحنبلي مؤلف الشرح الكبير على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ينقل عند الكلام في استحباب زيارة قبر النبي صلى الله عليه و آله و سلم: عن العتبي أنّه قال: كنت جالساً عند قبر النبي صلى الله عليه و آله و سلم فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول اللَّه، سمعت اللَّه يقول: «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً»(2) وقد جئتك مستغفراً من ذنبي، مستشفعاً بك إلى


1- الحافظ الطبراني: المعجم الكبير: 9/ 16 و 17. واسناد الحديث متوفرة لاحظ: سنن ابن ماجة: 1 برقم 1385؛ مسند أحمد: 4/ 138؛ والمستدرك: 1/ 313 وغيرها
2- النساء: 64

ص: 53

ربي ثم أنشأ يقول:

يا خير من دفنت بالقاع أعظمه فطاب من طيبهن البان والأكم

نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم

ثم انصرف الأعرابي، فحملتني عيني، فرأيت النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقال ياعتبي: «إلحق الأعرابي فبشّره أنّ اللَّه قد غفر له».(1) لاشك أنّ دعاء النبي أو أحد الأئمة من أهل بيته ونداءه والتوسّل به باعتقاد أنّه إله أو ربّ أو مستقلّ في التأثير أو مالك للشفاعة والمغفرة شرك وكفر، ولكنّه لا يقوم به أيّ مسلم في أقطار الأرض، بل ولا يخطر ببال أحد وهو يقرأ آيات الكتاب العزيز آناء الليل وأطراف النهار، ويتلو قوله سبحانه: «هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ»(2)؟

«أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ»(3).


1- الشرح الكبير: 3/ 494. وليس المقدسي فريداً في نقله، بل له مصادر أُخرى يقف عليها المتتبّع
2- فاطر: 3
3- النمل: 63

ص: 54

«قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا»(1).

«قُلْ لَاأَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلَا نَفْعاً إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ»(2).

إنّ المسلمين لا يعتقدون في النبي وأهل بيته المطهرين:

(فاطمة وعلي والحسن والحسين عليهم السلام) إلّاكونهم عباداً صالحين مقرَّبين عند اللَّه مستجابة دعوتُهم، ولا يعتقدون بغير ذلك من ربوبية أو إلوهية أو مالكية للشفاعة والمغفرة أبداً.

ولكنّ القوم الذين عمدوا إلى تكفير الشيعة وغيرهم من المسلمين لم يفرّقوا بين الدعاءين والنداءين، فرموهما بسهم واحد.

الثالثة: نسب الشيخ إلى الشيعة أنّهم يعتقدون بأنّ أئمتهم يعلمون الغيب واللَّه سبحانه يقول: «قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَ الأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ»(3).

يلاحظ على ما ذكر: أنّ العلم بالغيب يراد به أحد


1- الأنعام: 164
2- يونس: 49
3- النمل: 65

ص: 55

معنيين:

أ. العلم الذاتي الّذي ينبع من ذات العالم غير المكتسب من آخر، وهذا هو ما يختصّ باللَّه الواحد الأحد، وإليه تشير الآية المباركة الّتي استدلّ بها الشيخ الدرويش.

ب. الإخبار بالغيب بتعليم من اللَّه العزيز أحداً من عباده الصالحين في مورد واحد أو في موارد كثيرة أو قليلة، فعلم الغيب بهذا المعنى يزخر به الكتاب والسنّة.

فهذه سورة يوسف عليه السلام تخبرنا بأنّ يعقوب وابنه يوسف عليهما السلام قد أخبرا عن حوادث غيبية مستقبلية كثيرة، منها:

1. لمّا أخبر يوسف والده بأنّه رأى أحد عشر كوكباً والشمس والقمر ساجدين له، قال يعقوب عليه السلام: «يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا»(1)، وبذلك أخبر ضمناً عن مستقبله المشرق الّذي لو عرف به إخوته لثارت عليه حفائظهم.

2. لمّا أخبر صاحبا يوسف في السجن يوسفَ برؤياهما قال عليه السلام: «وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ»(2).

3. لمّا فصلت العير قال أبوهم «يعقوب»: «إِنِّي لأَجِدُ


1- يوسف: 5
2- يوسف: 41

ص: 56

رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ»(1).

وهذا هو النبي عيسى عليه السلام يقول لقومه في معرض بيان معاجزه وبيّناته: «وَ أُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَ مَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ»(2).

أليست كلّ هذه إخبارات بالغيب، ومغيبات أنبأ بها الرسلُ؟

وإذا هي ثبتت لنبيّ، جاز نسبتها إلى العترة الطاهرة؛ لما لهم من المنزلة والمكانة العليا، وهل عليٌّ عليه السلام أقلّ شأناً من هارون عليه السلام وقد قال النبي بشأنّه: «ياعلي أمّا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّاأنّه لا نبي بعدي»؟(3) الّذي يعني: أنّه له ما للرسول إلّاأنّه ليس نبياً، لختم النبوة برسول اللَّه محمد صلى الله عليه و آله و سلم.

كيف لا، وعلي عليه السلام وارث علم رسول اللَّه بإجماع الأُمة الإسلامية، وهل عليٌّ عليه السلام أقل من كعب الأحبار الّذي أخبر الخليفة الثاني بأنّه سيموت بعد ثلاثة أيام وتحقّقت هذه


1- يوسف: 94
2- آل عمران: 49
3- جامع الأُصول: 8/ 650

ص: 57

النبوءة فعلًا.(1) وكان على الشيخ الدرويش دراسة ما أخرجه قومه في أئمتهم من العلم بالغيب، ففي مسند أحمد: (1/ 48 و 51): أنّ عمر بن الخطاب أخبر بموته بسبب رؤيا رآها وكان بين رؤياه وبين يوم مصرعه أُسبوع واحد.(2) ولماذا غفل عن مسألة «المحدَّث» بين الأُمة الإسلامية، الّذي لا يرى الملك ولكن يسمع كلامه فيخبر عن ملاحم ومغيبات بإذن اللَّه، وانّ عمر بن الخطاب أحد هؤلاء المحدَّثين.

وإن كان في شكّ منه، فليقرأ الصحيحين.(3)

الاستدلال بخروج الإمام الحسين عليه السلام

استدلّ الشيخ المؤلّف على عدم علم الإمام بالغيب حتّى بالمعنى الّذي بيّناه بخروج الإمام الحسين بأولاده الصغار إلى العراق، فقال: كيف يخرج الحسين عليه السلام بأولاده الصغار وهو يعلم قتلهم ... الخ.


1- الرياض النضرة: 2/ 75
2- مسند أحمد: 1/ 48 و 51
3- راجع صحيح البخاري: 2، باب مناقب عمر بن الخطاب، رقم 3689، صحيح مسلم بشرح النووي: 15، رقم 6154

ص: 58

يلاحظ عليه:

1. ما ذكره الشيخ ليس أمراً جديداً، وإنّما طرحه المخالفون قبل أكثر من ألف عام، وقام علماء الشيعة آنذاك بتوضيح جوابهم على ذلك، وهو: أنّ علم الإمام بشهادته وشهادة أبنائه لا يمنعه من الخروج على الظالمين والوقوف بوجه طغاة عصره، إذ لم ينهض بضعة المصطفى إلّابواجبه الديني حيث أحس بالخطر المحدق بالإسلام والمسلمين المتمثّل بحكومة يزيد والّذي يصفه الإمام لأبيه معاوية بقوله: تُريد أن توهم الناس في يزيد؟! كأنّك تصف محجوباً، أو تنعت غائباً، أو تخبر عمّاكان ممّا احتويته بعلم خاص، وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه، فخذ ليزيد فيما أخذ فيه من استقرائه الكلاب المهارشة عند التهارش، والحمام السبّق لاترابهن، والقينات ذوات المعازف وضرب الملاهي، تجده باصراً، ودع عنك ما تُحاول، فما أغناك أن تلقى اللَّه من وزر هذا الخلق بأكثر ممّا أنت لاقيه.(1) كيف يسكت ويُسلم أزمّة الأُمور لمن يطالب بثارات من قتل في بدر وأُحد، فلمّا بلغ مناه جاهر بكفره وأظهر


1- الإمامة والسياسة: 1/ 153

ص: 59

شركه بالشعر الّذي تغنى به:

ليت أشياخي ببدر شهدواجزع الخزرج من وقع الأسل

قد قتلنا القرم من ساداتهم وعدلناه ببدرٍ فاعتدل

لأهلّوا واستهلوا فرحاًثمّ قالوا: يا يزيد لا تُشل

لست من خندفَ إن لم انتقم من بني أحمد ما كان فعل

لعبت هاشم بالملك فلاخبر جاء ولاوحي نزل (1)

فقد عرف سيد العظمة وريحانة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم أنّ من واجبه إنهاض المسلمين ضد الحكومة الأُموية وإيقاظ ضمائرهم لمقابلة الخطر، وذلك الأمر لا يتحقق إلّا بخروجه واستشهاده في ذلك الطريق حتّى تتحرك الدماء في عروق الأُمة الإسلامية، وقد تحققت أُمنيّته حيث توالت النهضات واحدة بعد الأُخرى حتّى انقلعت الشجرة


1- الأبيات لابن الزبعرى. وقد تمثل بها يزيد.

ص: 60

الخبيثة من أُصولها.

وقد قام غير واحد من المحقّقين بتحقيق أهداف ثورة الإمام الحسين عليه السلام وانّه خاض هذه المعركة مع علمه بأنّه سيقتل، إذ لم تكن غايته من الثورة هي مجرد السيطرة على مقاليد الخلافة، حتّى يعوقه العلم بالشهادة عن خوض هذه المعركة، بل كان غرضه من هذه التضحيات إعلام الأُمّة بفضاضة الأُمويين وقسوة سياستهم وابتعادهم عن الدين وتوغّلهم في الجاهلية، وأنّهم هم الذين لا يوقرون كبيراً ولا يرحمون صغيراً، فلذلك قدّم إلى ساحة التضحية أغصان الرسالة وأوراد النبوة وأنوار الخلافة، حتّى يعرف الملأ بما يكنّه يزيد من حقد على الإسلام وعلى نبيه ونواميسه وطقوسه، وهذا شي ء يعرفه كلّ من درس نهضة الإمام الحسين عليه السلام، وإليك بعض الكلمات من محقّقي التاريخ في العصر الحاضر.

أشار الشيخ شمس الدين في كتابه «ثورة الحسين عليه السلام» إلى فلسفة قيام الإمام الحسين عليه السلام بهذه الثورة العظيمة وبتلك التضحيات الجسام، قائلًا: والّذي أعتقده هو أنّ وضع المجتمع الإسلامي إذ ذاك كان يتطلّب القيام بعمل انتحاريّ فاجع يُلهب الروح النضالية في هذا المجتمع،

ص: 61

ويتضمّن أسمى مراتب التضحية ونكران الذات في سبيل المبدأ، لكي يكون مناراً لجميع الثائرين حين تلوح لهم وعورة الطريق، وتضمحل عندهم احتمالات الفوز، وترجح عندهم إمارات الفشل والخذلان.

لقد كان قادة المجتمع وعامة أفراده إذ ذاك يقعدون عن أيّ عمل إيجابي لتطوير واقعهم السي ء بمجرد أن يلوح لهم ما قد يعانون في سبيل ذلك من عذاب، وما قد يضطرون إلى بذله من تضحيات، وكانوا يقعدون عن القيام بأي عمل ايجابي بمجرد أن تحقّق لهم السلطة الحاكمة بعض المنافع القريبة.(1) وقال عبداللَّه العلايلي في كتابه «سمو المعنى في سمو الذات» (أو أشعة من حياة الحسين) قال في فصل خاص عنونه بقوله: مصرع في سبيل الواجب: وازن الحسين عليه السلام بين الرغبة في البقاء، وبين الواجب، فرأى طريق الواجب أفسح الطريقين وأرضاهما عند اللَّه والناس.

ثم يقول: سار بقلّته المؤمنة وثبت في معركة الحق والباطل، وجعل بين ناظريه برهان ربّه: «وَ قَاتِلُوهُمْ حَتَّى


1- ثورة الإمام الحسين: 158- 159

ص: 62

لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ للهِ» والفتنة في الآية ليست بمعنى الاختلاف والتنازع، بل بمعنى شيوع الفساد والفسوق، فخروج الحسين عليه السلام ليس بفتنة- كما اتّهموا- بل لمكافحة الفتنة، فأيّة محاولة وثورة على الفساد في سبيل أن يكون الدين كلّه للَّه، نحن مأمورون بها، فالحسين بخروجه لم يجاوز برهان ربّه.

إلى أن يقول: علّمنا الحسين عليه السلام كيف نعتنق المبادئ وكيف نحرسها.

وعلّمنا كيف نقدّس العقيدة، وكيف ندافع عنها.

وعلّمنا كيف نموت، كما علّمنا كيف نحيا كراماً بها.

ورسم طريق الخلود الأبدي من طريقها.

فسلام عليه يوم يموت ويوم يبعث حياً.(1) وقال عباس محمود العقاد: وصل الحد في عهد يزيد إلى حدّ لا يعالج بغير الاستشهاد وما نحا منحاه، وهذا هو الاستشهاد ومنحاه، وهو بالبداهة الّتي لا تحتاج إلى مقابلة طويلة منحى غير منحى الحساب والجمع والطرح في دفاتر التجار.


1- الإمام الحسن: 348- 349

ص: 63

ومع هذا يدع المؤرخ طريق الشهادة تمضي إلى نهاية مطافها، ثم يتناول دفتر التجار كما يشاء، فإنّه لواجد في نهاية المطاف أنّ دفتر التجار لن يكتب الربح آخراً إلّافي صفحة الشهداء.

فالدعاة المستشهدون يخسرون حياتهم وحياة ذويهم، ولكنّهم يرسلون دعوتهم من بعدهم ناجحة متفاقمة فتطفو في نهاية مطافها بكلّ شي ء حتّى المظاهر العرضية والمنافع الأرضية.(1) وقال الدكتور السيد الجميلي: إنّني أرى أنّ الحسين انتصر على المدى البعيد، فهو وإن لم يظفر بمراده في معركة حربية ومواجهة عسكرية، إلّاأنّ نيله الشهادة في حدّ ذاته كان انتصاراً له، ثم إنّه زرع بذور الحسيكة والحقد والسخيمة في قلوب الناس جميعاً نحو بني أُمية، ولا يخامرني شك في أنّ الحسين انتصر على المدى البعيد وكان استشهاده سبباً مباشراً في زلزلة عروش دولة الأُمويين، مع انصباب جام اللعنات والسخطات عليهم من جراء هذه الجريمة البشعة.(2)


1- أبو الشهداء الحسين بن علي: 193
2- مقدمة استشهاد الحسين للطبري: 23 تحقيق السيد الجميلي

ص: 64

هذا وكم لمحقّقي التاريخ من السنّة و الشيعة، بل من غيرهم من أعلام الكتّاب من غير المسلمين كلمات زاهية حول صلابة الحسين وتضحياته، لا يسعنا نقلها فمن أراد فليرجع إلى محالّها.

وأمّا مرافقة صبيانه وعياله ونسائه له، فكان ذلك يصب في ذات الهدف؛ ذلك إنّ استشهاده وحده في طف كربلاء ربّما لا يصل خبره إلى أسماع كافة أبناء الأُمّة الإسلامية، بل أنّ هذا العمل العسكري بحاجة إلى دعم إعلامي لبيان حقيقته وكشف أهدافه، ولا يتحقّق ذلك إلّا من خلال مرافقة أُسرته له، ولذلك نرى الأثر الكبير الّذي خلّفته خطب عقيلة بني هاشم زينب الكبرى في الكوفة والشام، وكذلك ما سببته خطب ولده الإمام زين العابدين عليه السلام.

فكم كان لهذه الكلمات والخطب من تأثير في نفوس العراقيين والشاميين، الأمر الذي دعا يزيد أن يلقي اللائمة على عبيد اللَّه بن زياد بعد أن شعر بخطورة الموقف على نفسه.

ص: 65

ولأجل أن نعزز ما قلناه، نذكر نتفاً من خطب السيدة زينب بنت علي عليهما السلام.

قالت: يا أهل الكوفة، يا أهل الختل والغدر، أتبكون؟! فلا رقأت الدمعة، ولا هدأت الرنّة، إنّما مثلكم كمثل الّتي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً، تتخذون أيمانكم دخلًا بينكم.

إلى أن قالت: ويلكم ياأهل الكوفة، أتدرون أيّ كبدٍ لرسول اللَّه فريتم؟! وأيّ كريمة له أبرزتم؟! وأيّ دمٍ له سفكتم؟! وأيّ حرمة له انتهكتم؟! لقد جئتم بها صلعاء عنقاء سوداء فقماء ....

قال الراوي: فواللَّه لقد رأيتُ الناس يومئذ حيارى يبكون، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم.(1) وليست هذه الخطبة هي الوحيدة لبطلة كربلاء، بل لها خطب أُخر نذكر منها ما ألقته في مجلس يزيد عندما تمثّل بأبيات ابن الزبعرى شاعر قريش في الجاهلية الّذي كان شديداً على المسلمين، ولمّا فتحت مكة هرب إلى نجران ومات هناك، وقد سَبق منّا نقل أشعاره(2)، فلمّا سمعت زينب هذه الأشعار الّتي تعرب عن كفر يزيد قامت وقالت:

الحمد للَّه ربّ العالمين، وصلّى اللَّه على محمّد وآله


1- الملهوف على قتلى الطفوف: 192 و 193
2- لاحظ ص 33 من هذه الرسالة

ص: 66

أجمعين، صدق اللَّه كذلك يقول: «ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوآى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَ كَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ»(1)، أظننتَ يا يزيد- حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نساق كما تُساق الإماء- أنّ بنا على اللَّه هواناً، وبك عليه كرامة!! وأنّ ذلك لعظيم خطرك عنده!! فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك، جَذِلًا مسروراً، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة، والأُمور متسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا، فمهلًا مهلًا، أنسيت قول اللَّه عزّوجلّ: «وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ»(2).

أمِنَ العدل يابن الطلقاء تخديرك إماءك ونساءك وسوقك بنات رسول اللَّه سبايا؟!، قد هتكت ستورهنّ، وأبديت وجوههنّ، تحدو بهن الأعداء من بلدٍ إلى بلدٍ، ويستشرفهن أهل المنازل والمناهل، ويتصفّح وجوههنّ القريب والبعيد، والدنيّ والشريف، ليس معهنّ من رجالهن وليّ، ولا من حماتهنّ حميّ.(3)


1- الروم: 10
2- آل عمران: 178
3- الملهوف على قتلى الطفوف: 215- 216

ص: 67

وقد اكتفينا في المقام بهذا المقدار، ولم نذكر ما قام به بقية أفراد عائلة الحسين خلال الطريق وفي الكوفة والشام من خطب بليغة ومواقف صلبة وعمليات بطولية، أتمّوا بها رسالة أبي الشهداء الحسين بن علي عليهما السلام موضحين للعالم حقيقة الثورة وأهدافها السامية وشموخ رجالاتها وخطر الإنجرار مع المؤامرات الأموية والانصياع للخط الجاهلي الّذي تزيّى بزي الدين، ليضرب الدين بالصميم وليعيدها جاهلية تحكمها شريعة أبي سفيان وهند.

ص: 68

ص: 69

الفصل الخامس حقوق آل البيت عليهم السلام

اشارة

عقد المؤلّف هذا الفصل لبيان حقوق آل البيت عليهم السلام وذكر منها الحقوق التالية:

1. حق الموالاة والمحبة.

2. حق الدفاع والذبّ عنهم.

3. حق تبرئة ساحتهم ممّا ينسب إليهم كذباً وزوراً.

4. مشروعية الصلاة عليهم.

5. حقّهم من الخمس.

6. اليقين الجازم بأنّ نسب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وذريته هو أشرف الأنساب.

7. تحريم الزكاة والصدقة عليهم.

ذكر المؤلّف هذه الحقوق وبدلًا من أن يخوض في

ص: 70

تفسيرها على وجه يليق بها ويشرحها معتمداً على الكتاب والسنّة، اتّخذها ذريعة للرد على- ما زعمه- عقيدة للشيعة حول آل البيت عليهم السلام، فكأنّ هذا الفصل صنو الفصل السابق، حيث إنّ العنوان لا يحكي عمّا يحتويه الفصل، ولذلك نعطف عنان الكلام إلى ما حسبه عقيدة للشيعة ثم نرد عليه.

1. رمي الشيعة بالغلو

إنّ اتّهام الشيعة الإمامية وعلمائهم بالغلو هو بيت القصيد في هذا الفصل

قال: إنّ الدفاع عنهم يشمل الرد على من غلا فيهم وأنزلهم فوق منزلتهم، فإنّ ذلك يؤذيهم، وقد ألّف شيخ الإسلام ابن تيمية كتابه الكبير «منهاج السنة» في الرد على مَنْ غلا فيهم.

ثم نقل رواية عن رجال الكشي عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام حيث قال: إنّ اليهود أحبّوا عزيراً حتّى قالوا فيه ما قالوا فلا عزير منهم ولا هم من عزير، إلى أن قال: إنّ قوماً من شيعتنا سيحبونا حتّى يقولوا فينا ما قالت اليهود في عزير وما قالت النصارى في عيسى

ص: 71

بن مريم فلا هم منّا ولا نحن منهم.(1) يلاحظ عليه: أنّ الحديث الّذي ذكره راجع إلى الغلاة المتسمّين بالتشيّع الذين هم ليسوا من الشيعة ولا الشيعة منهم. وأنّ روايات أئمة أهل البيت في ردّ الغلاة وطردهم كثيرة يقف عليها من له إلمام بكتب الحديث عند الشيعة، فلو صحّ الحديث فإنّما المقصود به هم الذين ألّهوا علياً وبعض أولاده، وأين هم من الشيعة الذين لا يعتقدون في نبي الإسلام وخلفائه من أهل بيته إلّاأنّهم عباد صالحون معصومون بنص الكتاب العزيز، تستجاب دعوتهم فلا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم شيئاً إلّاما شاء اللَّه وأقدرهم عليه؟

وهذه الرواية ونظائرها يُراد بها الفرقة الخطابية الذين لعنهم الإمام الصادق عليه السلام، والفرقة المغيرية أتباع المغيرة بن سعيد العجلي وأضرابهم الذين أكل عليهم الدهر وشرب


1- آل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعية: 32

ص: 72

فانقرضوا، ولو بقي منهم مَنْ يُعدُّ من الغلاة فالشيعة الإمامية منهم برآء.

وقد ألّف غير واحد من أعلام الشيعة ردوداً على الغلاة وكفّروهم وحكموا بنجاستهم، وهذا هو العلّامة المجلسي عقد في موسوعته الحديثية فصلًا حول الغلاة والرد عليهم.(1) كما أنّنا اقتفينا أثر العلّامة المجلسي فعقدنا فصلًا حول الغلاة والرد عليهم في كتابنا «كليات في علم الرجال»(2).

ثم إنّ الشيخ الدرويش نقل عن العلّامة المامقاني الكلمة التالية:

(إن القدماء- يعني من الشيعة- كان يعدّون ما نعده اليوم من ضروريات مذهب الشيعة غلوّاً وارتفاعاً، وكانوا يرمون بذلك أوثق الرجال كما لا يخفى على من أحاط خبراً بكلماتهم)(3).

وقد استغلّ المؤلّف هذه الكلمة لرمي شيعة اليوم بالغلو، مع أنّ كلمة المامقاني تتعلّق بمسألة نفي السهو عن النبي والأئمة عليهم السلام، فقد كان كثيرٌ من القدماء يجوّزون السهو على النبي والأئمة، ولكن الثابت عن المتأخّرين أنّهم لم يجوّزوا وقوعه منهم، لأنّه يورث الشك والترديد في ما


1- بحار الأنوار: 25/ 260
2- كليات في علم الرجال: 428- 434
3- تنقيح المقال: 3/ 23

ص: 73

يصدر عنهم في مجالي العقيدة والشريعة.

وهذه المسألة ونظيرها كصدور الكرامات وعدمه مسائل كلامية لم تزل تختلف فيها الأنظار بين بعض القدماء والمتأخّرين، فليس نفي السهو عنهم إذا ساعده الدليل موجباً للغلو، كما أنّ اثبات الكرامات لهم لا يُعدّ غلواً، وهاهي مريم العذراء ليست بنبيّة ولا وصيّة، ولكن أثبت سبحانه لها كرامات تبهر العقول لا تؤتى إلّا لنبي أو وصي، ومع ذلك لا يعدّ القول بها ونسبتها إليها غلواً.

2. مشروعية الصلاة عليهم

ذكر الشيخ تحت هذا العنوان الكلام التالي:

تشرع الصلاة عليهم وذلك عقب الأذان، وفي التشهد آخر الصلاة، وعند الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقد جاء في هذا عدة نصوص، كقوله تعالى: «إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبي يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً»(1)، كما جاء في الحديث لمّا سئل النبي صلى الله عليه و آله و سلم عن كيفية الصلاة عليه في الصلاة، قال: «قولوا: اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد


1- الأحزاب: 56

ص: 74

كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما علمتم» فالصلاة على آله من تمام الصلاة عليه وتوابعها؛ لأنّ ذلك ممّا تقرُّ به عينه ويزيده اللَّه به شرفاً وعلواً.(1) ولمّا كان هذا الحديث ردّاً عنيفاً لما تداول بين أهل السنّة عبر قرون من حذف الآل عند الصلاة على النبي وعطف الأصحاب على الآل عند ضمهم إلى اسمه صلى الله عليه و آله و سلم حاول الشيخ الدرويش أن يجيب عن هذا الإشكال، فقال:

أمّا حذف الآل فالأمر في ذلك واسع؛ فقد أمر اللَّه في القرآن بالصلاة على النبي صلى الله عليه و آله و سلم ولم يذكر الآل كما قال سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً» فلم يذكر الآل.

وأمّا ضم الصحابة إليهم، فإن اللَّه أمر نبيّه بالصلاة على أصحابه، وقال: «وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ»(2)، ونحن مأمورون بالاقتداء به، فذكرهم في الصلاة مع النبي فيه سعة وهو من الاقتداء بالنبي.(3)


1- آل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعية: 33
2- التوبة: 103
3- آل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعية: 35

ص: 75

يلاحظ على الجواب الأوّل:

انّ ما استدلّ به موهون جدّاً، فمعنى ذلك هو الاكتفاء بالقرآن ورفض السنّة، وما هذا إلّاقول من رفع شعار «حسبنا كتاب اللَّه» الّذي لا يطابق ذات الكتاب ولا السنّة النبوية ولا إجماع المسلمين، كيف وقد قال سبحانه: «وَ مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»(1)، إلى غير ذلك من الآيات الّتي تعرّف النبي بأنّه قدوة وأُسوة، قال سبحانه: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُوا اللهَ وَ الْيَوْمَ الآخِرَ وَ ذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا»(2).

وقد ملأ الخافقين قول شيوخهم: الحب هو الاتّباع لا الابتداع، فما هو الوجه لمخالفة النبي، مع أنّه بصدد بيان كيفية الصلاة عليهم، وهل انّ حذف الآل فيه إقرار لعين الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم؟ وكيف جاز حذف ما تقرّ به عينه ويزيده اللَّه به شرفاً وعلواً؟! كما تفضّل به الشيخ الدرويش نفسه، وأين أدب التعامل الّذي أُمرنا بالالتزام به أمام أعظم شخصية


1- الحشر: 7
2- الأحزاب: 21

ص: 76

عرفها تاريخ الإنسانية؟! أهكذا يتعامل مع رسول أعطى للإنسانية كلّ شي ء ولم يطلب منها أجراً إلّاالمودة في القربى؟! فلماذا تعامل القربى بهذهِ الطريقة؟!

وأمّا الجواب الثاني فهو أعجب من الأوّل فإنّه سبحانه لم يأمر بالصلاة على الصحابة، بل أمر بالصلاة على كلّ من يؤدّي الصدقات والزكوات، وقد ذكر الشيخ الآية مبتورة، إذ يقول سبحانه: «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكّيِهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ».

وقال: «أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ»(1)، فالآية وما بعدها ناظرتان للصلاة على مَنْ يؤدّي زكاة ماله، من غير فرق بين الصحابي وغيره، ولذلك أفتى الفقهاء باستحباب الصلاة على المؤدّين للزكاة حين أدائها، وأي صلة له بالصلاة على الصحابي!! فالآية إنّما نزلت لأجل تثبيت حكم شرعي، من عصر النبي إلى يوم القيامة، فالاستدلال بها على جواز الصلاة على الصحابة أمر عجيب نابع عن موقف مسبق، فلم يجد دليلًا على الطريقة الرائجة في خطبهم وكتبهم، فصار يتمسك بالحشيش والطحلب.

ثم إنّه كان من اللازم على الشيخ الدرويش التتبّع في


1- التوبة: 104

ص: 77

الروايات الّتي ورد فيها الأمر بالصلاة على الآل، وانّ الصلاة على النبي وحده مجردة عن الصلاة على الآل تُعدّ صلاةً بتراء نهى عنها النبي صلى الله عليه و آله و سلم، وبودي أن أذكر ما نقله ابن حجر في هذا المقام، فإنّه بعدما ذكر الآية الشريفة وروى جملة من الأخبار الصحيحة الواردة فيها، قال: إن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قرن الصلاة على آله بالصلاة عليه، لمّا سئل عن كيفية الصلاة والسلام عليه، قال: وهذا دليل ظاهر على أنّ الأمر بالصلاة على أهل بيته، وبقية آله مراد من هذه الآية، وإلّا لم يسألوا عن الصلاة على أهل بيته وآله عقب نزولها، ولم يجابوا بما ذكر، فلمّا أُجيبوا به دلّ على أنّ الصلاة عليهم من جملة المأمور به، وانّه صلى الله عليه و آله و سلم أقامهم في ذلك مقام نفسه، لأنّ القصد من الصلاة عليه مزيد تعظيمه، ومنه تعظيمهم، ومن ثمّ لمّا أدخل مَن مرّ في الكساء، قال: «اللّهمّ إنَّهم منّي وأنا منهم، فاجعل صلاتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك عليّ وعليهم»، وقضية استجابة هذا الدعاء: انّ اللَّه صلّى عليهم معه، فحينئذٍ طلب من المؤمنين صلاتهم عليهم معه.

ويروى: لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء، فقالوا: و ما الصلاة البتراء؟ قال: تقولون: اللّهمّ صلّ على محمّد و تمسكون، بل قولوا: اللّهم صلّ على محمّد وعلى آل محمد. ثمّ

ص: 78

نقل عن الإمام الشافعي قوله:

يا أهل بيت رسول اللَّه حبكمُ فرض من اللَّه في القرآن أنزلهُ

كفاكم من عظيم القدر إنّكمُ من لم يصلِّ عليكم لا صلاة لهُ

فقال: فيحتمل لا صلاة له صحيحة، فيكون موافقاً لقوله بوجوب الصلاة على الآل، ويحتمل لا صلاة كاملة، فيوافق أظهر قوليه.(1) 3. حقّهم في الخمس

ذكر الشيخ أنّ من حقوق آل البيت عند السنّة حقّهم من الخمس، أي: خمس الغنيمة والفي ء، لقوله تعالى:

«وَ اعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَي ءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتَامَى وَ الْمَسَاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ».

وأمّا الفي ء فقوله تعالى: «مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَللهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لذِي الْقُرْبى وَ الْيَتَامَى وَ الْمَسَاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ»، ففي الخمس لهم سهم خاصٌ بذوي القربى وهو ثابت لهم بعد وفاة رسول اللَّه، وهو قول


1- الصواعق المحرقة: 146، ط عام 1385 ه

ص: 79

جمهور العلماء وهو الصحيح.

ثم إنّه في الهامش فسّر الغنيمة بقوله: «ما غنمه المسلمون من الكفّار من أموال سواء بحرب أو بدونه، ولا يدخل فيه ما اكتسبه المسلمون من غير هذا الطريق».(1) يلاحظ عليه: نحن لا نحوم حول هذا الموضوع، وأنّ الخلافة الراشدة هل أعطتهم خمس الخمس (حسب تعبيرهم) أو حرمتهم منه، فإنّ ذلك على ذمة التاريخ، ولو أردنا أن نخوض فيه لطال بنا الكلام، وكفانا في ذلك ما دبجته يراعة الفقيه الكبير السيد عبدالحسين شرف الدين في كتابه «النص والاجتهاد» فقد أثبت فيه بالوثائق التاريخية حرمان آل البيت من الخمس المشروع لهم بنفس الآية.(2) ويكفي في ذلك ما رواه الإمام البخاري في صحيحه، قال: أرسلت فاطمة عليها السلام تسأله (أبا بكر) ميراثها من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ممّا أفاء اللَّه عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلّمه حتّى توفّيت، وعاشت بعد النبي صلى الله عليه و آله و سلم ستة أشهر، فلمّا توفيت


1- آل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعية: 35- 36
2- لاحظ النص والاجتهاد: 50

ص: 80

دفنها زوجها علي عليه السلام ليلًا، ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلّى عليها.(1) وإنّما نعطف القلم إلى تفسير الغنيمة بما غنمه المسلمون فقط، وهو يريد بذلك ردّاً على الشيعة؛ فإنهم عمّموا الخمس على كلّ ما يغنمه المسلم حتّى أرباح المكاسب والفوائد الّتي يكتسبها خلال سنة، فنقول:

إنّ تفسير الغنيمة الواردة في قوله: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ» بخصوص ما يفوز به الإنسان في الحرب، أمر لا توافقه اللغة ولا السنّة النبوية، فإنّهما يثبتان بوضوح أنّ الغنيمة عبارة عن كلّ ما يفوز به الإنسان، سواء أكان بطريق الحرب أم بطريق الكسب وغيره (دون النهب والغارة) وقد ألّفنا في ذلك رسالة أوردناها ضمن كتابنا «الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف»(2).

ونقتصر هنا على إيراد بعض ما ذكرنا فيها بشكل موجز؛ حتّى يتبيّن أنّ مصطلح القرآن بل السنّة النبوية غير مصطلح الفقهاء.


1- صحيح البخاري: 3/ 36، باب غزوة خيبر
2- انظر الانصاف: 2/ 6- 36

ص: 81

قال الخليل: الغُنم الفوز بالشي ء من غير مشقة، والاغتنام انتهاز الغنم.(1) قال الأزهري: قال الليث: الغنم الفوز بالشي ء، والاغتنام انتهاز الغنم.(2)

قال الراغب: الغَنْم: معروف، والغُنْم: إصابته والظفر به، ثم استعمل في كلّ مظفور به من جهة العدا وغيرهم، قال تعالى: «فَعِنْدَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ»، «فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا»، والمغنم ما يغنم، وجمعه مغانم، قال تعالى: «فَعِنْدَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ».(3)

قال ابن فارس: غنم أصل صحيح واحد يدلّ على إفادة شي ء لم يملك من قبل، ثم يختصّ بما أُخذ من المشركين.(4)

قال ابن منظور: الغنم: الفوز بالشي ء من غير مشقّة.(5)

قال ابن الأثير: في الحديث «الرهن لمن رهنه، له غنمه وعليه غرمه» وغنمه زيادته ونماؤه وفاضل قيمته.(6) إلى غير ذلك من الكلمات الّتي تعرب عن أنّ المعنى


1- انظر مادة «غنم» في: العين، تهذيب اللغة، المفردات، مقاييس اللغة، لسان العرب، النهاية
2- انظر مادة «غنم» في: العين، تهذيب اللغة، المفردات، مقاييس اللغة، لسان العرب، النهاية
3- انظر مادة «غنم» في: العين، تهذيب اللغة، المفردات، مقاييس اللغة، لسان العرب، النهاية
4- انظر مادة «غنم» في: العين، تهذيب اللغة، المفردات، مقاييس اللغة، لسان العرب، النهاية
5- انظر مادة «غنم» في: العين، تهذيب اللغة، المفردات، مقاييس اللغة، لسان العرب، النهاية
6- انظر مادة «غنم» في: العين، تهذيب اللغة، المفردات، مقاييس اللغة، لسان العرب، النهاية

ص: 82

الأصلي للفظ (الغنيمة) أعم ممّا يؤخذ في الحرب وغيره، وانّه لم يوضع لما يفوز به الإنسان في خصوص الحروب، بل أوسع من ذلك، وإن كان غلب استعمالها في العصور المتأخّرة بعد نزول القرآن في ما يظفر به في ساحة الحرب.

وإنّ القرآن استعمل لفظة المغنم في ما يفوز به الإنسان عن غير طريق القتال، فنراه يقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ»(1).

والمراد بالمغانم هو الأُجور الأُخروية مقابل عرض الحياة الدنيا.

وقد تقدّم ذلك في كلام الراغب أيضاً.

فإذا كانت اللفظة عامة، فليس لنا إلّاحملها في الآية على المعنى اللغوي لا على المصطلح المتأخّر عن نزول الآية.

وفي الأحاديث النبوية شهادة على ما ذكرنا:

1. روى ابن ماجة في سننه أنّه جاء عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قوله: «اللّهم اجعلها مغنماً ولا تجعلها مغرماً».(2) وهنا نرى


1- النساء: 94
2- سنن ابن ماجة، كتاب الزكاة، باب مايقال عندإخراج الزكاة، الحديث 1797

ص: 83

أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قد استعمل هذا اللفظ في مورد الزكاة.

2. وجاء في مسند أحمد عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قوله:

«غنيمة مجالس الذكر، الجنّة»(1).

4. وفي وصف شهر رمضان عنه صلى الله عليه و آله و سلم: «غنم للمؤمن»(2).

5. وجاء في نهاية ابن الأثير: «الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة»، قال: سمّاه غنيمة؛ لما فيه من الأجر والثواب.(3) فقد بان ممّا نقلناه من كلمات أئمة اللغة وموارد استعمال تلك المادة في الكتاب والسنّة الشريفة، انّ العرب تستعملها في كلّ مورد يفوز به الإنسان من أموال الأعداء وغيرهم.

وإنّما صارت حقيقة متشرعية في الأعصار المتأخّرة في خصوص ما يفوز به الإنسان في ساحة الحرب، ونزلت الآية في أوّل حرب خاضها المسلمون تحت لواء رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ولم يكن الاستعمال إلّاتطبيقاً للمعنى الكلّي


1- مسند أحمد: 2/ 330 و 374 و 524
2- نفس المصدر: 2/ 177
3- النهاية: مادة غنم

ص: 84

على مورد خاص، ولكن المورد غير مخصِّص إذا كان مفهوم اللفظ عامّاً يشمله وغيره.

الخمس في أرباح المكاسب

ثم إنّ السنّة النبوية تدلّ على وجوب الخمس في أرباح المكاسب، حسب ما رواه الشيخان من أنّه قدم وفد عبد القيس على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فقالوا: إنّ بيننا وبينك المشركين، وإنّا لا نصل إليك إلّافي شهر الحرام، فمرنا بأمر فصل إن عملنا به دخلنا الجنة؟» فمما أمرهم به رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم- بعد إقام الصلاة وإيتاء الزكاة- قوله:

«وتؤتوا الخمس من المغنم»(1).

ولا يشك أحد أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم لم يطلب من بني عبد القيس دفع خمس غنائم الحرب، كيف! وهم كانوا ضعفاء لا يستطيعون الخروج من حيهم في غير الأشهر الحرم خوفاً من المشركين، فكيف تحصل لهم الغنيمة بهذا المعنى، فليس المراد إلّاما يفوزون به من الأرباح وما يفوزون به من غير طريق الحرب.

هذا غيض من فيض فمن أراد التفصيل فليرجع إلى كتابنا «الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف».


1- صحيح البخاري: 4/ 250، باب واللَّه خلقكم وما تعملون من كتاب التوحيد؛ صحيح مسلم: 1/ 36، باب الأمر بالإيمان

ص: 85

مصرف الخمس

اشارة

ثم إنّ الشيخ الدرويش ذكر آراء الإمامية في مصرف الخمس واختار أحد الأقوال، وهو سقوط إخراجه في غيبة الإمام وقال:

القول الوحيد المستند إلى الأخبار الواردة عن الأئمة من بين الأقوال الّتي استعرضها الشيخ المفيد هو القول الأوّل الّذي يسقط إخراج الخمس.(1) يلاحظ عليه:

1. أنّ ما طرحه الشيخ هنا مسألة فقهية لا صلة لها بحقوق آل البيت، ومع ذلك فهو لم يعط الموضوع حقه حتّى في نقل الأقوال، وذلك لأنّ مَن قال بسقوط الخمس إنّما يريد سقوط حقوق الثلاثة الأُولى، لا سقوط حقوق الأصناف الثلاثة الأُخرى، توضيح ذلك: أنّ الخمس يقسّم على ستة أسهم: ثلاثة أسداس للَّه وللرسول ولذوي القربى، والثلاثة الأُخرى لليتامى والمساكين وابن السبيل من السادة، ومن قال بالسقوط، فإنّما قال بسقوط الأسداس الثلاثة الأُولى لا الثلاثة الأُخرى.(2)


1- آل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعية: 37 و 38
2- الحدائق الناضرة: 12/ 448

ص: 86

2. أنّ ما ذكره من القول الأوّل قول جنح إليه بعض الفقهاء القدامى وليس من هذا القول في هذا الوقت عين ولا أثر، بل قام الإجماع على خلافه، والقول الّذي اتّفقت عليه كلمة فقهائنا هو أنّ النصف من الخمس الّذي للإمام عليه السلام في زمان الغيبة يتولّى أمره المجتهد الجامع للشرائط، فلابدّ من إيصاله إليه أو دفعه إلى المستحقين بإذنه، وأمّا النصف الآخر- الّذي هو للأصناف الثلاثة- فيجوز للمالك دفعه إليهم بنفسه، لكن الأحوط فيه أيضاً الدفع إلى المجتهد أو بإذنه، لأنّه أعرف بمواقعه والمرجّحات الّتي ينبغي ملاحظتها.(1) ويدلّ على هذا القول (تولّي المجتهد الجامع للشرائط له): إنّ الخمس ليس ملكاً شخصياً للإمام، بل ملك له بما أنّه قائم بأمر الإمامة والزعامة، فيكون في الحقيقة ملكاً لمنصب الإمامة الّذي يرجع إلى تدبير المجتمع وهدايته نحو الكمال، وهو في عصر الغيبة يتمثّل بالمرجع المجتهد الجامع للشرائط.


1- العروة الوثقى، «كتاب الخمس»، الفصل الثاني المسألة: 7، ص 447

ص: 87

ويدلّ على ذلك صحيح أبي علي بن راشد قال: قلت لأبي الحسن الثالث عليه السلام: إنّا نؤتى بالشي ء فيقال: هذا كان لأبي جعفر عليه السلام عندنا فكيف نصنع؟

فقال: «ما كان لأبي عليه السلام بسبب الإمامة فهو لي، وما كان غير ذلك فهوميراث على كتاب اللَّه وسنة نبيّه».(1) فإذا كان الخمس راجعاً إلى مقام الإمامة، وليس منصبها أمراً قابلًا للتعطيل، فالشاغل لمنصبه في عصر الغيبة، إنّما هو الفقيه العارف بالكتاب والسنّة، فكيف يكون نائباً عنه في شؤون الإمامة ولا يكون نائباً عنه في المال الخاص به؟

وأمّا الروايات الّتي استند إليها الشيخ صالح والّتي تشير إلى سقوط الخمس، فليس لها إطلاق لكي تشمل كلّ مورد يجب فيه الخمس، بل لها مورد خاص وهو الغنائم الّتي كانت الجيوش الإسلامية تجلبها من الغزوات والحروب من دون أن تقوم الحكومة الأُموية والعباسية بإخراج الخمس منها ودفعه إلى أصحابه، فكان ذلك سبباً لاختلاط الحلال بالحرام، وموجباً للحرج بين المؤمنين الذين يتعاملون بها بيعاً وشراءً وهبة وغير ذلك، ففي ذلك الموقف العصيب أحل أئمة أهل البيت عليهم السلام خمس هذه الأموال المجلوبة من بلاد


1- الوسائل: 6، الباب 20 من أبواب الأنفال، الحديث 6

ص: 88

المشركين، وأين ذلك من تحليل أرباح المكاسب الّتي هي أطيب الأموال؟

والحق أنّ الشيخ صالح تطّلع إلى موضوع أرفع وأعلى منه، ولم يقرأ تلك الروايات، إنّما أشار إليها إشارة مقتضبة.

بقي هنا شي ء وهو: أنّ الشيخ الدرويش أشار إلى سبعة من حقوق آل البيت، ولكنّه غفل عن الحقوق الأُخرى الثابتة لهم، وهي:

1. رفع بيوتهم

قال سبحانه: «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ»(1).

ومن المعلوم: أنّ البيوت غير المساجد، فمَن فسّرها بالمساجد خالف اللغة ومصطلح القرآن والسنّة، فالكعبة بيت وليست مسجداً، والمسجد الحرام مسجد وليس بيتاً، وقد أمر اللَّه سبحانه برفع تلك البيوت ومنها بيوت آل البيت.

روى الحافظ السيوطي عن أنس بن مالك وبريدة: أنّ رسول اللَّه قرأ قوله تعالى: «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ» فقام


1- النور: 36

ص: 89

إليه رجل وقال: أي بيوت هذه يا رسول اللَّه؟ فقال صلى الله عليه و آله و سلم:

بيوت الأنبياء.

فقام إليه أبو بكر فقال يا رسول اللَّه: وهذا البيت منها؟

(وأشار إلى بيت علي وفاطمة) فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: نعم، من أفاضلها.(1) وممّا يؤسف له أنّا لا نرى الآن أثراً لبيت من بيوت النبي وآله في مدينة الرسول ولا في مكة المكرمة، حيث إنّها بدل أن ترفع، هُدّمت تحت غطاء التوحيد، أو توسيع الحرمين الشريفين، وإنّما نشكو حزننا إلى اللَّه القوي العزيز.

2. المرجعية السياسية والعلمية

إنّ حديث الثقلين المتواتر أثبت بوضوح مرجعية أئمة أهل البيت في ما يحتاج إليه المسلمون وقد صار آل البيت بموجبه قرناء الكتاب و أعداله.

ومَن تدبّر في حديث الغدير وخطبة النبي صلى الله عليه و آله و سلم في ذلك المشهد الكبير، حيث صرح بولاية علي عليه السلام بعد أخذ الشهادة من المسلمين بالتوحيد والرسالة، وأخبر عن رحيله، يقف على أنّ ولاية الإمام علي عليه السلام هي أصل من


1- الدر المنثور: 5/ 50

ص: 90

أُصول الإسلام في جنب التوحيد والرسالة، ولكن القوم سلبوا ذلك الحق منهم إثر السقيفة وما جرى فيها:

أرى فيئهم في غيرهم متقسماًوأيديهم من فيئهم صفرات

ونشير إلى أنّ هذا الحق الّذي غفل الشيخ عن ذكره هو أُمّ الحقوق السابقة وأصلها وجذرها، وفي المثل السائر:

(كلّ الصيد في جوف الفرى)، ومن المعلوم: أنّه لو اعترف به الشيخ، لناقض ما هو عليه من العقيدة والشريعة.

ص: 91

الفصل السادس بشرية آل البيت عليهم السلام

اشارة

عقد الشيخ الدرويش هذا الفصل تحت هذا العنوان، وبعد أن أفاض الكلام في غلو اليهود في عزير والنصارى في المسيح، جعل كلّ ذلك مقدمة لقوله التالي:

والعجب كلّ العجب ممّن غلا في الأئمة والأولياء، واختلق الأساطير والأوهام ليسطرها في كتبه، معارضاً بها كلام اللَّه سبحانه وتعالى، بحجّة أنّ اللَّه على كلّ شي ءٍ قدير، فجعلوا الأئمة فوق منزلة الأنبياء والرسل عليهم السلام.(1) ثم قال تحت عنوان تنبيه: جرت مناقشات وحوارات مع بعض المنتسبين إلى الحوزة- طلاباً وأساتذة- فكانوا


1- آل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعية: 45

ص: 92

يحتجون بأن اللَّه عزوجل أطلع أئمتهم على بعض علمه، أو أعطاهم قدرة، ونحو ذلك، كما يحتجون برفع عيسى عليه السلام على غيبة الإمام المنتظر عليه السلام.(1) ويلاحظ على ما ذكر:

أوّلًا: أنّ العنوان يدلّ على مدى سوء فهم المؤلف للشيعة تاريخاً وعقائد وفقهاً و ...، إذ جعل عنوان هذا الفصل «بشرية آل البيت عليهم السلام» مشيراً إلى أنّ الشيعة يعتبرونهم فوق البشر، فنسأله هل وجد شيعياً واحداً صرّح بأنّ آل البيت هم ليسوا ببشر، مع العلم أنّه يمارس القضاء في منطقة شيعية (أعني: القطيف) وفيها يوجد علماء أفذاذ وأساتذة في الفقه والأُصول من الشيعة، فهل سمع ذلك من أحد منهم؟!

ما هذه القسوة يا شيخ بالنسبة إلى الشيعة؟ وأنت بحمد اللَّه من دعاة الوحدة؟ وها هي كتب الشيعة منتشرة في العالم، وعقائدهم تدرّس في الكليات والجامعات، وقد ملأ أسماع الخافقين قول الإمام الرضا عليه السلام في دعائه رداً على الغلاة الخارجين عن الإسلام:

«اللّهم إنّي بري ء من الحول والقوّة ولا حول ولا قوّة


1- نفس المصدر: 46

ص: 93

إلّا بك، اللّهم إنّي أعوذ بك وأبرأ إليك من الذين ادّعوا لنا ما ليس لنا بحقّ، اللّهم إنّي أبرأ إليك من الذين قالوا فينا ما لم نقله في أنفسنا، اللّهم لك الخلق ومنك الرزق وإيّاك نعبد وإيّاك نستعين، اللّهم أنت خالقنا وخالق آبائنا الأوّلين وآبائنا الآخرين، اللّهم لا تليق الربوبيّة إلّابك ولا تصلح الإلهية إلّالك، فالعن النصارى الذين صغّروا عظمتك، والعن المضاهئين لقولهم من بريّتك.

اللّهم إنّا عبيدك وأبناء عبيدك لا نملك لأنفسنا نفعاً ولا ضرّاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، اللّهم من زعم أنّا أرباب فنحن منه براء، ومن زعم أنّ إلينا الخلق وعلينا الرزق فنحن براءمنه كبراءةعيسى بن مريم عليهما السلام من النصارى، اللّهم انّا لم ندعهم إلى ما يزعمون، فلا تؤاخذنا بما يقولون، واغفر لنا ما يدّعون، ولا تدع على الأرض منهم ديّاراً، إنّك إن تذرهم يضلّوا عبادك ولا يلدوا إلّافاجراً كفّاراً»(1).

وكأنّ الشيخ يريد دراسة عقيدة الغلاة، ولكنّه مع ذلك يخاطب الشيعة الإمامية بكلماته.

وثانياً: أنّ ما نسبهُ إلى الشيعة من أنّهم غلوا في أئمتهم


1- بحار الأنوار: 25/ 343، باب نفي الغلوّ في النبيّ والأئمة عليهم السلام

ص: 94

ونسبوا إليهم الأساطير، فالكاتب ومَن على نحلته أولى بهذه، فهذه كتبهم الحديثية والتاريخية مليئة بالمغالاة، ولذلك قام غير واحد من علماء السنّة بوضع كتب حول الموضوعات الّتي هي أشبه بالأوهام والأساطير منها:

1. «الموضوعات» لأبي الفرج عبدالرحمن الجوزي (510- 597 ه)، وهو في ثلاثة أجزاء.

2. «اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة»، لجلال الدين السيوطي (848- 911 ه).

3. «تمييز الطيّب من الخبيث ممّا يدور على ألسنة الناس من الحديث» لعبد الرحمن الشيباني (866- 944 ه).

4. «سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة» لناصر الدين الألباني في خمسة أجزاء.

إلى غير ذلك من الكتب الّتي أشارت إلى جانب خاص من الموضوعات، وما أُبرّئ كتب الشيعة من وجود الموضوعات فيها، ولذلك أقدم غير واحد من المحقّقين (1)


1- من الكتب التي ألّفها علماؤنا لأجل تمحيص ما روي عن أئمة أهل البيت عليهم السلام نذكر: أ. الأخبار الدخيلة، تأليف المحقّق محمد تقي التستري 1320- 1415 ه. ب. الموضوعات في الآثار والأخبار، تأليف المحقّق هاشم معروف الحسني

ص: 95

على وضع كتب في هذا المضمار حتّى أنّ العلّامة المجلسي شرح كتاب «الكافي» وأسمى شرحه له ب: «مرآة العقول» وقد صنف أحاديث الكافي إلى: صحيح وموثق وحسن وضعيف.

وليس من نيّتنا شقّ العصا وتفريق الكلمة وتمزيق الوحدة، وإلّا فكتب حديث السنّة خصوصاً في ما يرجع إلى فضائل الصحابة مليئة بالأساطير والموضوعات، نظير:

1. ما صبّ اللَّه في صدري شيئاً إلّاوصبّه في صدر أبي بكر.

2. كان النبي إذا اشتاق إلى الجنّة قبّل شيبة أبي بكر.

3. أنا وأبو بكر كفرسي رهان.

4. ان اللَّه لمّا اختار الأرواح اختار روح أبي بكر.(1) وإليك شهادة أُخرى وهي: أنّ السيوطي قد ذكر ثلاثين حديثاً من أشهر فضائل أبي بكر ممّا اتّخذه المؤلّفون في القرون الأخيرة من المتسالم عليه وأرسلوه إرسال المسلَّم


1- سفر السعادة: 2/ 211 وانظر كذلك: أسنى المطالب: 1/ 207؛ كشف الخفاء: 2/ 565؛ المنار المنيف في الصحيح والضعيف: 1/ 115؛ المغني عن الحفظ والكتاب: 1/ 147؛ الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة: 1/ 476

ص: 96

بلا أي سند.(1) فعلى الكاتب المحقّق أن يكون عدلًا في قضائه ويحاسب الجميع بحساب واحد.

وأمّا ما نسبه إلى الشيعة من أنّهم جعلوا الأئمة فوق منزلة الأنبياء والرسل، فليس صحيحاً على إطلاقه، وإنّما فضّلوهم على غير أُولي العزم من الرسل، وقد أوضحنا الحال في ذلك في كتابنا «دليل المرشدين إلى الحق المبين» فليرجع إليه من أراد المزيد.

وهل يحق لمن تدبّر في حياة الإمام علي عليه السلام وجهاده في سبيل اللَّه، وبذل نفسه ونفيسه، وما أُوتي من علم وحكمة، هل يحق له أن يضعه في مرتبة هي دون مرتبة غير أُولي العزم من الأنبياء، كيف وقد وصفه النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم في حديث الطير المتضافر بأنّه أحب خلق اللَّه إليه سبحانه.

وثالثاً: أنّ ما حكاه عن بعض المنتسبين إلى الحوزة، من أنّهم احتجّوا برفع عيسى على غيبة الإمام المنتظر عليه السلام فهو لم يقف على مراد القائل، فإنّه أمر معروف بين الشيعة، وهو أنّ المخالف يستبعد غيبة الولي عن الناس، فحاول من


1- اللآلي المصنوعة: 1/ 286- 302

ص: 97

يعتقد ذلك أن يثبت أنّه ليس بأمر محال، لأنّ القرآن يشهد على غيبة بعض الأنبياء والرسل نظير:

1. غيبة موسى عن قومه في الميقات أربعين ليلة، قال سبحانه: «وَ وَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَ أَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً»(1).

2. غيبة يونس عن قومه، قال تعالى: «وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَ نَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ»(2).

وقال تعالى: «وَ إِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ* فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ* فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَ هُوَ مُلِيمٌ* فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ* لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ* فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَ هُوَ سَقِيمٌ* وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ»(3).

3. رفع المسيح وغيبته عن الناس؛ قال تعالى: «وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي


1- الأعراف: 142
2- الأنبياء: 87- 88
3- الصافات: 139- 146

ص: 98

شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً* بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً»(1).

إلى غير ذلك من الموارد الّتي ذكرت ثبوت الغيبة لأحدٍ من أولياء اللَّه، فالغرض من ذكر غيبة هؤلاء هو تقريب المطلب، وتوضيح المدّعى، ورفع الاستبعاد عن غيبة ولي اللَّه سبحانه عن أنظار الناس، ومع ذلك فهو له وظائف يقوم بها زمان الغيبة، ونظيره ما حكاه اللَّه سبحانه لنا عن وليٍ كان يعيش بين الناس، ولكنّهم لم يكونوا يعرفونه حتّى كليم اللَّه موسى عليه السلام، وكان هذا الولي يتصرف بالأموال والأنفس دون أن يعلم به أحد.(2)

كلمة أخيرة للشيخ

يقول الشيخ الدرويش قبل أن يورد خلاصة لكتابه:

أين الأدلّة على أنّ الأئمة يعلمون الغيب؟

وأين الأدلّة على أنّ الأئمة والأولياء يتصرّفون بالكون؟

وأين الأدلّة على أنّ هؤلاء بأعيانهم دون غيرهم


1- النساء: 157- 158
2- لاحظ سورة الكهف: 60- 82

ص: 99

يملكون الشفاعة؟ فأين شفاعة الشهداء؟

ثم يقول: وأين الأدلّة على أنّ هؤلاء يحيون الموتى؟

وأين الأدلّة ... وأين الأدلّة .. فإنّ المسائل الّتي غلا فيها هؤلاء كثيرة، فأين الأدلّة عليها؟

ثم يقول: وإذا قيل: توجد روايات تدلّ على ذلك، قلنا: هاتوا تلك الروايات وأثبتوا صحّتها إن كنتم صادقين.(1) وها نحن ندرس هذه الأُمور الّتي استبعدها الشيخ بقوله: أين ... أين؟

أمّا الأمر الأوّل: أعني كونهم عالمين بالغيب، فأقول:

ليس هناك أي مانع من أن يعلّم اللَّهُ سبحانه أحداً ممّن خلق علم ما كان وما سيكون، قال اللَّه سبحانه: «وكذلك نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَ الأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ».(2)

ومع ذلك، لا منافاة بين هذا التعليم وبين اختصاص علم الغيب باللَّه، وشتان بين علم محدود مكتسب من اللَّه سبحانه، وبين علم ذاتي مطلق غير محدود، فالعلم


1- آل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعية: 47- 48
2- الأنعام: 75

ص: 100

بالمعنى الثاني مختص باللَّه سبحانه دون المعنى الأوّل، فإنّه من شؤون المخلوق، فالعلم بالغيب عن طريق التعليم أمر جائز وواقع.

وبما أنّ نسبة علم الغيب إلى غيره سبحانه ربّما توهم العلم الذاتي، والعلم المطلق، والعلم غير المكيّف بكيف، نرى أنّ بعض أئمة أهل البيت يتبرأون من ذلك.

ونورد على ذلك نموذجين من أقوال أئمتنا عليهم السلام:

1. لما فتح جيش الإمام علي عليه السلام البصرة بعد حرب الجمل، جلس عليه السلام على منبر الخطابة وأخبر عن بعض الملاحم كغرق البصرة وغيره، فقال له بعض أصحابه: قد أُعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب؟ فضحك الإمام عليه السلام وقال للرجل وكان كلبياً: «يا أخا كلب ليس هو بعلم غيب، وإنّما هو تعلم من ذي علم»(1).

2. وهذا هو الإمام أبو الحسن موسى الكاظم عليه السلام لمّا سأله يحيى بن عبداللَّه بن الحسن بقوله: جُعلت فداك أنّهم يزعمون أنّك تعلم الغيب؟ فقال عليه السلام: سبحان اللَّه ضع يدك على رأسي فواللَّه ما بقيت شعرةٌ فيه ولا في جسدي إلّاقامت، ثمّ قال: لا واللَّه ما هي إلّاوراثة عن


1- نهج البلاغة: الخطبة رقم 128

ص: 101

رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم».(1) وأمّا الأمر الثاني: أعني: أنّ أئمة أهل البيت يتصرّفون بالكون، فنقول: إنّ التصرف بالكون على وجهين:

تارة بالإعجاز وهو من خصائص الأنبياء، لأنّ المعجزة عبارة عن عمل خارق للعادة لمدّعي النبوة، وعلى هذا فالتصرف بالكون على هذا المعنى خارج عن الموضوع.

وتارة ما يصدر عن الأولياء على وجه الكرامات، وهذا ليس ببعيد عن عباد اللَّه الصالحين، وتجد له نظيراً في قصة النبي سليمان عليه السلام، يقول سبحانه: «قَالَ الذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي»(2)، ولم يكن هذا الّذي عنده علم من الكتاب ولا العفريت من الجن نبياً ولا ولياً.

والحق: أنّ الكاتب ومن على منهجه غير عارفين بمقامات الأنبياء والأولياء، فإنهم يتصوّرون أنّ التصرف في الكون بإذن اللَّه سبحانه أمر لا ينسجم مع القول بالتوحيد بالخالقية والربوبية، ولولا الخوف من إطالة الكلام لبسطت


1- أمالي الشيخ المفيد: المجلس الثالث ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 13/ 23، الحديث 5 طبع المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد
2- النمل: 40

ص: 102

الكلام في مقاماتهم بنقل الآيات والروايات.

وأمّا الأمر الثالث: أعني قوله: إنّ أئمة أهل البيت دون غيرهم يملكون الشفاعة.

فهذا كلام غير صحيح ونسبة مفتراة، فإنّ أحداً من الناس من غير فرق بين النبي صلى الله عليه و آله و سلم وغيره لا يملك الشفاعة، قال سبحانه: «قُلْ للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا»(1)، وقد تضافرت الأدلّة من الكتاب والسنّة على أنّ شفاعة أحدٍ من الناس منوطة بإذنه سبحانه، قال عزوجل: «يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ»(2).

ولو حاول الشيخ أن يقف على موقف القرآن والسنّة، وموقف أهل البيت من الشفاعة، فليرجع إلى كتابنا «مفاهيم القرآن»(3).

وأمّا الأمر الرابع: أعني إحياء الموتى، فلو كان من باب الإعجاز، فهو من خصائص الأنبياء، لأنّ المعجزة لا يقوم بها إلّاالنبي الموحى إليه، وأمّا أئمة أهل البيت عليهم السلام فليسوا بأنبياء، وبالتالي ليسوا أصحاب معاجز بالمعنى المصطلح.


1- الزمر: 44
2- طه: 109
3- مفاهيم القرآن: 4/ 177

ص: 103

وأمّا إذا كان من باب الكرامة، فهو ليس بأمر ممتنع، إذ في وسع المولى أن يعطي القدرة لأحد من عباده لإحياء الموتى، فلو تواترت الروايات وتضافرت الأحاديث على صدوره من أحد الأئمة فيقبل، وأمّا إذا ورد عن طريق الآحاد، فهو لا يفيد يقيناً، بل يترك على حاله.

وعلى كلّ تقدير، فليس القول بإحياء الموتى من عقائد الشيعة ولا ضرورياتها.

ومن المعلوم: أنّ المحيي هو اللَّه سبحانه، وإنّما يجري فيضه عن طريق الأسباب، فلا بدعة في أن يُجري فيضه عن طريق عباد اللَّه الصالحين، كما جرى فيضه عن طريق آخر، وهو ما حكاه سبحانه في سورة البقرة إذ قال: «فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللهُ الْمَوْتَى وَ يُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»(1)، فقد أجرى اللَّه سبحانه فيضه على يد البعض من بني إسرائيل الذين ذبحوا البقرة، وضربوا جسد المقتول ببعض البقرة، فقام المقتول حيّاً وشهد على قاتله.

وهنا نكات:

1. قد فرغنا عمّا وعدنا القارئ به في أوّل الرسالة من تحليل كلام الشيخ، تحليلًا هادئاً مقروناً بالدليل والبرهان،


1- البقرة: 73

ص: 104

على وجه لو تأمّله الشيخ وأضرابه ربّما يؤدّي إلى تبدّل موقفهم بالنسبة إلى عقائد الشيعة.

وقد دعا المؤلّف- عفا اللَّه عنّا وعنه- الشيعة إلى المناظرة وقال:

وإذا قيل: توجد روايات تدلّ على ذلك (الكرامات) قلنا: هاتوا تلك الروايات وأثبتوا صحّتها إن كنتم صادقين.

أقول: ونعم ما فعل؛ إذ هذه أُمنيتنا منذ سنين، فنحن مستعدون لإراءة البراهين على عقائدنا في جو هادئ يشارك فيه العلماء والمحدّثون ليعرضوا آراءهم، وليتعرّفوا عقائدَ الشيعة في ما يتفقون ويختلفون فيه معهم.

2. نسب الشيخ المؤلف إلى الشيعة الإمامية تهمة عدم الاهتمام بالتصحيح والتضعيف في ما يروونه عن أئمة أهل البيت عليهم السلام إلّاأنّ هذه النسبة- كسائر النسب- في غير محلّها.

أمّا الروايات الفقهية، فقد أشبعها الفقهاء الشيعة بحثاً وتدقيقاً منذ عشرة قرون، فميّزوا الصحيح عن السقيم، والمقبول عن المرفوض، يقف عليه كلّ من له إلمام بالكتب الفقهية.

وأمّا ما يرجع إلى العقائد، فما يذكره الكليني في ذلك

ص: 105

الباب، فقد أخذ العلامة المجلسي جميع ما يرويه بالتصحيح والتضعيف وكتابه المعروف ب «مرآة العقول» أصدق شاهد على ذلك.

هذا وقد قام المرجع الديني الكبير آية اللَّه الخوئي قدس سره بتأليف موسوعة كبيرة تشتمل 23 جزءاً حول رجال الشيعة وأسماها ب «معجم رجال الحديث» وهي عمل ضخم قام به مجموعة من فضلاء حوزة النجف الأشرف ومن تلاميذ المؤلف تحت إشرافه، فياليت الشيخ يطّلع عليها.

3. انّ الرواية حتّى لو كانت صحيحة، لا تكون مصدراً للعقيدة، وإنّما تؤخذ العقائد من الكتاب المجيد والسنّة النبوية المتواترة وأحاديث أئمة أهل البيت بشرط التواتر، وأمّا آحاد الروايات، فهي ليست مصدراً للعقيدة، وان جاءت في الكافي وغيره، إذ ليس عند الشيعة الإمامية كتاب (صحيح) سوى القرآن المجيد، وما عداه خاضع للنقاش كما هو معلوم.

4. أنّ هناك أمراً مهماً نلفت نظر الإخوة إليه، وهو: أنّ العقائد الشيعية كمنظومة متسلسلة، لا يمكن الأخذ بواحدة منها مع غض النظر عن الأُصول الأُخرى، وذلك نظير الحج، فإنّ أعمال الحج من بدء الإحرام إلى الخروج منه

ص: 106

عمل عبادي مركب من أجزاء، فالقضاء الحاسم فيه رهن دراسة العمل من أُصوله إلى فروعه ومن أوّله إلى آخره، فعند ذلك يتجلّى أنّ الحج من أظهر مظاهر الخشوع والخضوع للَّه سبحانه، ومن أبرز مصاديق الخروج من عبودية النفس والوفود على اللَّه سبحانه وترك زخارف الدنيا وراءه والاكتفاء منها بثوبين أبيضين، فياله من منظر رائع.

وأمّا إذا اقتصرنا على دراسة جزء واحد من هذا العمل المركب، فربّما يصبح أقرب شي ء إلى أعمال الوثنيين، حيث إنّ الإنسان الموحّد مع ادّعاء التوحيد يدور حول الأحجار والتراب كطواف المشركين حول آلهتهم الحجرية أو الخشبية، وقس على ذلك سائر أجزاء الحج.

وهكذا عقائد الشيعة، فهي منظومة منسجمة لا يصح دراستها إلّاكمجموعة واحدة، أصلها ثابت في الكتاب والسنّة وفروعها متشعّبة في العقول الحصيفة، فمَن لم يعرف حقيقة الإمامة والولاية الّتي حازها الإمام علي عليه السلام وأولاده من بعده، فربّما لا يهضم فكره أنّهم ذوو كرامات يعجز عنها الآخرون.

وأخيراً نلفت نظر الشيخ إلى أمر مهم، وهو: أنّ

ص: 107

الكتابة حول الشيعة كانت قليلة جدّاً قبل الثورة الإسلامية في إيران، ولم تكن تتجاوز مفرداتها عدد أصابع اليدين، ولكن بعد أن انتصرت الثورة الإسلامية توسّعت الكتابة عن عقائد الشيعة، واهتمّ بها الكثير من المؤلّفين، وأصبحت موضوعاً للعديد من الاطروحات العلمية في الجامعات، وبالأخص في المملكة العربية السعودية، وكأنّه ليس للمسلمين أي مشكلة سوى الشيعة، أو أي موضوع يُهتم به سوى عقائد الشيعة، فهل يتّفق الشيخ معنا على أنّ خلف الكواليس شيئاً ما؟ وأنّ هناك أيادي غير مرئية تدفع بالمؤلفين إلى تناول هذا الموضوع، حتّى يتمزق جسد الأُمة الإسلامية وتذهب جهود المصلحين والدعاة إلى الوحدة والتقريب سدى، وأن يفترق المسلمون ولا يتّحدوا حتّى آخر زمانهم؟!

أوليس الواجب على أمثال الشيخ- الّذي يُعدّ من دعاة الوحدة والتقريب- أن يترك هذه المساجلات والمناظرات ويشتغل بالأهم فالأهم، وأن يضع البنان على النقاط المشتركة بدل مواضع الخلاف.

وفي الختام نقدّم لكم كتابنا المعنون ب «العقيدة الإسلامية» المنتشر في البلاد العربية والذي نعتبره نموذجاً

ص: 108

كاملًا لعرض العقائد الشيعية الّتي تتجلى فيها النقاط المشتركة بين المسلمين.

وإلى هنا نقف بالقلم عن الإفاضة، فقد بلغنا نهاية المطاف من تحليل الرسالة.

نرجو اللَّه سبحانه أن يؤلّف بين قلوب المسلمين، ويوحّد صفوفهم، ويجمع شملهم، ويجعلهم كتلة واحدة في وجه الأعداء الغاشمين.

ويرزقنا وجميع المؤلّفين الإخلاص فيما نكتب ونؤلّف.

والحمد للَّه ربّ العالمين

جعفر السبحاني

قم المقدسة- مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام

14 ربيع الأوّل 1428 ه(1)

هامش

[1] ( 1) نشر قسم منها في موسوعة« رسائل ومقالات»: الجزء الثالث والرابع والخامس والسادس

[2] ( 1) صحيح البخاري: ح 3311

[3] ( 2) آل البيت وحقوقهم الشرعية: 8

[4] ( 1) صحيح مسلم بشرح النووي: 7/ 177

[5] ( 1) سنن أبي داود: 2/ 26، باب في بيان مواضع قسم الخمس وسهم ذوي القربى

[6] ( 2) صحيح البخاري: 4/ 155، باب المناقب

[7] ( 1) الأحزاب: 33

[8] ( 1) صحيح مسلم: 7/ 122

[9] ( 2) صحيح مسلم: 7/ 123

[10] ( 1) مسند أحمد: 4/ 368 و 372، ورواه النسائي في الخصائص: 16

[11] ( 1) صحيح مسلم: ص 1061، الحديث 2424، باب فضائل أهل بيت النبي صلى الله عليه و آله و سلم، دار ابن حزم، بيروت- 1423 ه

[12] ( 1) آل البيت وحقوقهم الشرعية: 9- 14

[13] ( 1) العصر: 2

[14] ( 2) الأحزاب: 33

[15] ( 1) هود: 73

[16] ( 2) جامع الأحكام: 14/ 182


1- آية الله الشيخ جعفر السبحاني، آل البيت عليهم السلام و حقوقهم الشرعية، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1، 1428 ه. ق..

ص: 109

[17] ( 1) لاحظ للوقوف على مصادر هذه الروايات: تفسير الطبري: 22/ 5- 7، والدر المنثور للسيوطي: 5/ 198- 199

[18] ( 1) سنن الترمذي: 5/ 30 برقم 3258، تفسير سورة الأحزاب باختلاف

[19] ( 2) سنن الترمذي: 5/ 360 برقم 3963، باب ما جاء في فضل فاطمة عليها السلام

[20] ( 3) للوقوف على تلك المأثورات انظر: جامع الأُصول لابن الأثير: 10/ 100- 103 وغيره من الجوامع الحديثية.

[21] ( 4) ذلك البيت الّذي يتمتع بجلال وكرامة والّذي عرّفه النبي بأنّه من أفاضل البيوت الّتي أمر الناس برفعها، أخرج السيوطي في الدر المنثور عن أنس بن مالك وبريدة أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قرأ قوله تعالى:« فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ» فقام إليه رجل وقال: أيّ بيوت هذه يا رسول اللَّه؟

فقال صلى الله عليه و آله و سلم:« بيوت الأنبياء».

فقام إليه أبو بكر وقال: يا رسول اللَّه، وهذا البيت منها؟ وأشار إلى بيت علي وفاطمة عليهما السلام.

فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: نعم من أفاضلها». الدر المنثور: 5/ 50

[22] ( 1) الحجرات: 1

[23] ( 2) آل عمران: 61

[24] ( 3) صحيح مسلم: ص 1054، الحديث 2404، باب فضائل علي عليه السلام

[25] ( 1) آل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعية: 15- 21

[26] ( 1) الشورى: 23

ص: 110

[27] ( 1) صحيح الترمذي: 5/ 328- 329 برقم 3874 و 3876

[28] ( 1) مسند أحمد: 5/ 182 و 189

[29] ( 2) المستدرك على الصحيحين: 3/ 148

[30] ( 1) الصواعق المحرقة: 148 ط. المحمدية وص 89 ط الميمنية بمصر

[31] ( 2) المستدرك: 3/ 151

[32] ( 1) إلّازينب بنت جحش، ابنة عمته صلى الله عليه و آله و سلم

[33] ( 1) آل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعية: 21

[34] ( 2) العروة الوثقى، للسيد كاظم اليزدي: 24، طبع دار الكتب الإسلامية؛ تحرير الوسيلة، للإمام الخميني: 1/ 118

[35] ( 1) انظر: موسوعة بحوث في الملل والنحل، في ثمانية أجزاء، طبع مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام- للمؤلف

[36] ( 1) تاريخ إصدار البيان كان في 2/ 1/ 1428 ه

[37] ( 1) كذا في المصدر والصحيح« يغالون»

[38] ( 2) النمل: 65

[39] ( 1) الإسراء: 31

[40] ( 2) الأعراف: 188

[41] ( 1) التوحيد في الربوبيّة غير التوحيد في الخالقية، وقد خلط غير واحد من طلاب منهج محمد بن عبدالوهاب بينهما، لاحظ مفاهيم القرآن: 1/ 380

[42] ( 1) الحافظ الطبراني: المعجم الكبير: 9/ 16 و 17. واسناد الحديث متوفرة لاحظ: سنن ابن ماجة: 1 برقم 1385؛ مسند أحمد: 4/ 138؛ والمستدرك: 1/ 313 وغيرها

[43] ( 2) النساء: 64

ص: 111

[44] ( 1) الشرح الكبير: 3/ 494. وليس المقدسي فريداً في نقله، بل له مصادر أُخرى يقف عليها المتتبّع

[45] ( 2) فاطر: 3

[46] ( 3) النمل: 63

[47] ( 1) الأنعام: 164

[48] ( 2) يونس: 49

[49] ( 3) النمل: 65

[50] ( 1) يوسف: 5

[51] ( 2) يوسف: 41

[52] ( 1) يوسف: 94

[53] ( 2) آل عمران: 49

[54] ( 3) جامع الأُصول: 8/ 650

[55] ( 1) الرياض النضرة: 2/ 75

[56] ( 2) مسند أحمد: 1/ 48 و 51

[57] ( 3) راجع صحيح البخاري: 2، باب مناقب عمر بن الخطاب، رقم 3689، صحيح مسلم بشرح النووي: 15، رقم 6154

[58] ( 1) الإمامة والسياسة: 1/ 153

[59] ( 1) الأبيات لابن الزبعرى. وقد تمثل بها يزيد.

[60] ( 1) ثورة الإمام الحسين: 158- 159

[61] ( 1) الإمام الحسن: 348- 349

[62] ( 1) أبو الشهداء الحسين بن علي: 193

[63] ( 2) مقدمة استشهاد الحسين للطبري: 23( تحقيق السيد الجميلي)

[64] ( 1) الملهوف على قتلى الطفوف: 192 و 193

[65] ( 2) لاحظ ص 33 من هذه الرسالة

[66] ( 1) الروم: 10

[67] ( 2) آل عمران: 178

ص: 112

[68] ( 3) الملهوف على قتلى الطفوف: 215- 216

[69] ( 1) آل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعية: 32

[70] ( 1) بحار الأنوار: 25/ 260

[71] ( 2) كليات في علم الرجال: 428- 434

[72] ( 3) تنقيح المقال: 3/ 23

[73] ( 1) الأحزاب: 56

[74] ( 1) آل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعية: 33

[75] ( 2) التوبة: 103

[76] ( 3) آل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعية: 35

[77] ( 1) الحشر: 7

[78] ( 2) الأحزاب: 21

[79] ( 1) التوبة: 104

[80] ( 1) الصواعق المحرقة: 146، ط عام 1385 ه

[81] ( 1) آل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعية: 35- 36

[82] ( 2) لاحظ النص والاجتهاد: 50

[83] ( 1) صحيح البخاري: 3/ 36، باب غزوة خيبر

[84] ( 2) انظر الانصاف: 2/ 6- 36

[85] ( 1) انظر مادة« غنم» في: العين، تهذيب اللغة، المفردات، مقاييس اللغة، لسان العرب، النهاية

[86] ( 2) انظر مادة« غنم» في: العين، تهذيب اللغة، المفردات، مقاييس اللغة، لسان العرب، النهاية

[87] ( 3) انظر مادة« غنم» في: العين، تهذيب اللغة، المفردات، مقاييس اللغة، لسان العرب، النهاية

[88] ( 4) انظر مادة« غنم» في: العين، تهذيب اللغة، المفردات، مقاييس اللغة، لسان العرب، النهاية

[89] ( 5) انظر مادة« غنم» في: العين، تهذيب اللغة، المفردات، مقاييس اللغة، لسان العرب، النهاية

[90] ( 6) انظر مادة« غنم» في: العين، تهذيب اللغة، المفردات، مقاييس اللغة، لسان العرب، النهاية

[91] ( 1) النساء: 94

ص: 113

[92] ( 2) سنن ابن ماجة، كتاب الزكاة، باب مايقال عندإخراج الزكاة، الحديث 1797

[93] ( 1) مسند أحمد: 2/ 330 و 374 و 524

[94] ( 2) نفس المصدر: 2/ 177

[95] ( 3) النهاية: مادة غنم

[96] ( 1) صحيح البخاري: 4/ 250، باب( واللَّه خلقكم وما تعملون) من كتاب التوحيد؛ صحيح مسلم: 1/ 36، باب الأمر بالإيمان

[97] ( 1) آل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعية: 37 و 38

[98] ( 2) الحدائق الناضرة: 12/ 448

[99] ( 1) العروة الوثقى،« كتاب الخمس»، الفصل الثاني المسألة: 7، ص 447

[100] ( 1) الوسائل: 6، الباب 20 من أبواب الأنفال، الحديث 6

[101] ( 1) النور: 36

[102] آية الله الشيخ جعفر السبحاني، آل البيت عليهم السلام و حقوقهم الشرعية، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1، 1428 ه. ق..

[103] ( 1) الدر المنثور: 5/ 50

[104] ( 1) آل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعية: 45

[105] ( 1) نفس المصدر: 46

[106] ( 1) بحار الأنوار: 25/ 343، باب نفي الغلوّ في النبيّ والأئمة عليهم السلام

[107] ( 1) من الكتب التي ألّفها علماؤنا لأجل تمحيص ما روي عن أئمة أهل البيت عليهم السلام نذكر:

أ. الأخبار الدخيلة، تأليف المحقّق محمد تقي التستري( 1320- 1415 ه).

ب. الموضوعات في الآثار والأخبار، تأليف المحقّق هاشم معروف الحسني

[108] ( 1) سفر السعادة: 2/ 211 وانظر كذلك: أسنى المطالب: 1/ 207؛ كشف الخفاء: 2/ 565؛ المنار المنيف في الصحيح والضعيف: 1/ 115؛ المغني عن الحفظ والكتاب: 1/ 147؛ الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة: 1/ 476

ص: 114

[109] ( 1) اللآلي المصنوعة: 1/ 286- 302

[110] ( 1) الأعراف: 142

[111] ( 2) الأنبياء: 87- 88

[112] ( 3) الصافات: 139- 146

[113] ( 1) النساء: 157- 158

[114] ( 2) لاحظ سورة الكهف: 60- 82

[115] ( 1) آل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعية: 47- 48

[116] ( 2) الأنعام: 75

[117] ( 1) نهج البلاغة: الخطبة رقم 128

[118] ( 1) أمالي الشيخ المفيد: المجلس الثالث( ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 13/ 23، الحديث 5) طبع المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد

[119] ( 2) النمل: 40

[120] ( 1) الزمر: 44

[121] ( 2) طه: 109

[122] ( 3) مفاهيم القرآن: 4/ 177

[123] ( 1) البقرة: 73

[124] آية الله الشيخ جعفر السبحاني، آل البيت عليهم السلام و حقوقهم الشرعية، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1، 1428 ه. ق..

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.